هزيمة كلون تادلا المدوية 1913م (1/2) ذ. إدريس كرم

لقد أثارت هاته الهزيمة التي حلت بالقوات الغازية لتادلا في أكثر من موقع وخاصة تلك التي كانت بقيادة “ماجنين” الذي فضل الانسحاب من المعركة أمام الخسائر الفادحة التي تكبدها في رد هجوم سكان تادلا، واستعادتهم لقصيبة من أيدي تلك القوات، مما جعل الجمعية الفرنسية تناقش الموضوع، وقد كتب ليوطنا كولونيل ماجنين (Magnin) في الموضوع تحت عنوان: compagne du tadla maroc fevrier 1913La juillet 1913.
ما يلي:
خلاصة حوادث كلون تادلا
توبعت تهدئة الشاوية في سنة 1912 لغاية الحدود المتاخمة لأراضي بن احمد وسطات، لكن قبائل تادلا المضطربة لم تفتأ تعمل على تهديد النواحي الخاضعة المحكومة من قبلنا.
في شتنبر 1912 قامت حركة قوية بمهاجمة لبروج وتهديد كيسر، وغزو اولاد بارس ببني احمد الخاضعة لنا حديثا.
في أكتوبر من نفس السنة بعدما شرع كلون منجان في الزحف على مراكش تكلف كلون كندون في نفس الوقت بالزحف على لبروج والقبائل العاصية، فوقعت معركة قاسية بترماست، وذلك يوم 23 أكتوبر 1912 في وقت كان الوضع الدولي ضد كل توسع عسكري فرنسي بالمغرب.
وقبل المعركة تم التباحث مع ممثل شريف بجعد الذي وعد بإحضار قبائل شمال تادلا لتقديم الطاعة والخضوع لنا، وتسهيل إجراء اتفاق مع بني اعمير وبني موسى.
لكن إقامة مركز عسكري في واد زم أحدث استياء كبيرا في السماعلة وورديغة وبني خيران خاصة عند أيت اربوعا والشلوح، هذه القبائل التي كانت تملك إقامات شتوية لها ولمواشيها في الشتاء والربيع على الضفة اليمنى لأم الربيع للاستفادة من السهل في الرعي والحراثة مما جعل الفرنسيين المعمرين ينظرون لهم بغضب كل سنة، لأنهم يحولون بينهم وبين الاستحواذ على السهل.
ابتداء من 26 دجنبر 1912 النواحي العاصية أقامت في مراعيها على العادة المتبعة، فبدأت المراكز العسكرية تناوشها، وبدأ العداء يتصاعد يوميا بالرغم من انحياز شريف بجعد لرأينا واستعماله نفوذه لتهدئة النفوس.
لكن التدلاويين وبني زمور قاموا بواسطة موحا واسعيد لحث القبائل الخاضعة لنا بالتمرد علينا ونفض يدها من مهادنتنا والخضوع لسلطتنا، ولمقاومة ذلك المخطط وتقوية ولاء القبائل الخاضعة لنا قام كوماندار مراقب الناحية الكولونيل سيمون بالعمل على إظهار قواتنا للساكنة على شكل دوريات مراقبة واستطلاع تجوب المنطقة باستمرار، وتجميع القوات في واد زم من أجل تنظيم الوضعية السياسية والإدارية للقبائل الخاضعة.
لقد أدركت مصلحة الاستعلامات التحدي الميداني الذي تقف عليه قيادة دائرة واد زم، خاصة وأن شريف بجعد أفهم السلطة العسكرية بالمركز بأن السماعلة وبني خيران لم يعودوا يستجيبون لدعواته.
يوم 28 فبراير 1913 أدرك الكولونيل سيمون بأن عليه أن يحرك كلون بن احمد نحو أولاد عبدون واستدعاء ليوطنا كلونيل منجان قائد دائرة سطات لتولي القيادة، على أن ينتقل الكولون يوم ثاني مارس 1913 لواد زم.
فعلا في ذلك اليوم وصلنا لمرتفع بير مزوي عند القايد عمر ديال اولاد ابراهيم الذين لم يبق منهم وفيا لنا إلا القليل.
سمع منجان طلقة مدفع المركز، فتوجه نحوه بالكلون فلقي في طريقه عصاة تادلا والسماعلة الذين تفرقوا بعدما أبدوا مقاومة عنيفة ضده.
يوم ثالث مارس تحرك كلون منجان من جديد، بمساندة من قوات المركز لتشتيت قوة كبيرة من المهاجمين كانت في طريقها لمهاجمته.
في 5 مارس 1913 زحف الكلونيل سيمون بكل قواته لبير مزوي وعسكر فيه طالبا من قادته الإسراع في دعم مؤخرته لحماية قواتها من الهجمات المضادة للأعداء.
يوم 15 مارس تم الاحتفاظ بفوج وكوكبة 75 لمحاية المعسكر، وبعث بليوطنا كلونيل منجان مع فوجين وبطارية 75 نحو واد زم حاملين بعض التموين، وعندما وصلت المفرزة تلك إلى مدشر بني اسمير لاحظ مانجان قوة من العصاة قادمة من الشمال والجنوب متجهة بسرعة نحو بير مزوي المحروس من قبل فوج واحد فقط.
لإنقاذ ذلك الفوج قرر التوجه بسرعة نحو المعسكر، فالتقى في كدية الريح مع حركة تادلا التي التفت حوله وبعد ثلاث ساعات ونصف من القتال القاسي، نجم عنه تشتت المهاجمين وفك الطوق الذي ضربوه عليه.
الكلونيل سيمون قسم قواته لقسمين؛ قسم بقيادة منجان وقسم بقيادة كيدون، لكن أعيد توحيدها بسرعة يوم 18 مارس لمهاجمة الأعداء الذين تجمعوا من جديد لتكوين حركة لمهاجمة المركز، فتم الإغارة على أماكن تواجد السماعلة يومي 18 و19.
يوم 20 اجتازت جموع بني زمور وتادلا محمد النفاتي، فتم إخلاء مخيمات تادلا على وجه السرعة، والقيام بغزو دائرة بني حسان الثائر أهلها عند اجتيازها في طريق دخولها بير مزوي يوم 21.
الدروس العقابية الملقنة للمغاربة منذ بداية العمليات من طرف الكلونيل سيمون كانت شاقة وفضة، الإقامة العامة لم تكن تريد أن تقوم القوات بضربة كبرى ضد القبائل وإنما تريد فقط تشتيت ما يتجمع منها.
على كل حال العمليات ستمتد عدة أشهر، مسؤولو ناحية الشاوية لا يمكن لهم البقاء بعيدا عن مراكزهم لمدة طويلة، فتم وضع منجان على رأس القوات الجاهزة.
بمجرد توليه القيادة حصل على النتائج التالية:
تم إيقاف تحرك الخاضعين لسلطتنا، وتطلعهم للعصيان مجددا، موحا وحمو (زيان بني زمور، السماعلة بقوا معادين لنا)، الباقي من متمردي بني اعمير وبني موسى تجمعوا جنوب غرب واد زم على استعداد لمهاجمتنا.
منذ هذه اللحظة ستتخذ عملياتنا القتالية طابعا عنيفا.
في ليلة 25 و26 مارس 1913 قاد منجان قواته لبطمة عيساوى لمفاجأة الزياني.
يوم 26 فرض عليه تحدي الخصم عبور واد كرو ليعسكر في دشرة براكسا من 27 لـ30 ممارسا ضغطا قويا على السماعلة، التي كانت قد طوقت من قبل المجموعة المتنقلة لليوطنا كلونيل موريا يوم 13 مارس، لتأكيد أمر خضوعها. وبذلك أصبحت تادلا الشمالية في اليد.
بقيت مسألة أيت ربوعا وبني اعمير، فيوم 7 أفريل ومن أجل مباغتة موحا واسعيد زحف منجان بقواته لقصبة تادلا لاقتحامها، وبعد معركة دامية أخذ للمدافعين عنها 15.000 رأس من الغنم، كما أخذ علمهم وما في القصبة من أثاث ورسائل، ولاحق الفارين منهم لغاية مشرع بيفاد.
يوم 10 أبريل قام عبد الله بن جبور بمهاجمة الكلون بعدما جمع حركة كبرى من بني اعمير وبني موسى في تحد كبير لنا بقصبة الزيدانية، ونفس العمل قامت به أيت اربوعا بشكل جريء يوم 11 منه في الجنوب الشرقي بعدما أعادت ترميم نفسها مما لحقها من تشتت في معركة بني ملال.
يوم 12 أبريل اجتاز الكولون أم الربيع لقصبة الزيدانية دافعا المتمردين نحو دشرا بني اعمير، حيث دخل الكولون يوم 13 منه محمد النفاتي بأمان، وبذلك اتخذت القوات من لبروج قاعدة لارتباطها السهل مع بني موسى.
وضع مانجان الكلون في حالة استنفار يوم 16 أفريل، وبينما كان الأعداء المكونين من بني موسى وأيت بوزيد وأيت اربوعا في مشرع سيدي صلاح، عبر كلون مانجان للضفة اليسرى لأم الربيع عبر دار ولد زيدوح ليصل يوم 19 لدار القايد امبارك على واد العبيد قبالة كلون صافي الموجود هناك.
يوم 17 تم الالتحام مع بني موسى، ويوم 20 دخل منجان لدار ولد زيدوح، حيث تم رصد تجمعات معادية إحداها في اتجاه سيدي بوبراهيم في سفح الأطلس والأخرى في بني اعمير.
منجان انتقل يوم 26 أفريل لعين الزركة حتى يكون بين المجموعتين اللتين هاجمتاه بضراوة، فتم دفعهم وملاحقتهم من طرف الفرسان حيث خسروا حوالي 100 مغربي وتم أسر عدد كبير منهم.
وفي الغد تم الزحف لسيدي بوبراهيم حيث كانت تتمركز الحركة المهاجمة المكونة أيام 27 و28 و29 أبريل والتي شاركت في معركة ليلة 28 و29 أفريل لمعاقبة من بقي متواجدا هناك من السكان.
يوم 30 أفريل غادر الكلون عين الزركة عبر الزيدانية قاصدا قصبة تادلا التي وصلها يوم 3 ماي.
كانت النتيجة المستخلصة من هذا التحرك هو جلاء بني اعمير الثائرين عن ناحية واد زم ولبروج، أما بني موسى فقد تركوا لنا كل الضفة اليمنى خالية من السلاح بعدما خضعوا لنا بالكامل، كما تم احتلال طريق قصبة تادلا بقوة السلاح.
أما أيت اربوعا فقد فروا مع موحا واسعيد للجبال، وقد توصل منجان بمهاجمة هذا الأخير في ملجئه وإلحاق العقاب القاسي به ومن معه، وهكذا قام الكلون يوم 8 يونيو 1913 بعد منتصف الليل بالزحف نحو الجبل بقوات ضخمة لتدمير قصبة موحا واسعيد واحراقها.
يوم 10 يونيو تقرر معاقبة الذين كانوا في لقصيبة وغدروا بفرنسا يوم 8 يونيو، وكذا اللذين كانوا على علم بذلك ولو لم يشاركوا في المعركة، وهكذا نزل الكلون لسهل تاغزورت فأحرقه ودمر ما فيه قبل أن يدخل قصبة تادلا ويفجرها بالقنابل الحارقة تاركا سكان الجبال الذين كانوا يراقبون المشهد من أعالي الجبال في ذهول تام من فظاعة ما كانوا يرونه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *