الهيمنة الأمريكية على العالم الإسلامي.. بعض ملامح النظام العالمي وفق الهيمنة الأمريكية الهيمنة الأمريكية عن طريق “مشروع الشرق الأوسط الكبير”

ما زال العرب والمسلمون هم الضحية الأولى لكل الحروب التي خاضتها القوى الاستعمارية قديمها وحديثها، والتي تدور حول تحقيق المصالح ونهب الثروات لعدة قرون، وكما قال المفكر الفرنسي “روجيه جارودي” في كتابه “حفارو القبور”: “أدت خمسة قرون من الاستعمار إلى نهب ثروات ثلاث قارات وإلى تدمير اقتصادياتها وتكبيلها بالديون”، وهو المنهج الذي تسير عليه الولايات المتحدة وريثة الاستعمار الغربي، والقطب الأوحد الذي شغل نفسه بشؤون العالم العربي والإسلامي، وسعى إلى دمجه في استراتيجيته العليا لأسباب كثيرة، منها المصالح الحيوية الأمريكية خاصة الكيان الصهيوني كقاعدة متقدمة تحقق أهدافه، وأيضًا النفط العربي، ومنها الاستفادة بالموقع الاستراتيجي للعالم العربي لإحكام سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي طيلة سنوات الحرب الباردة.

بعض ملامح النظام العالمي وفق الهيمنة الأمريكية
قرر هنري كيسنجر في كتابه “الأعمدة الستة للنظام العالمي” برلين 1992م، أن هذه الأعمدة التي يمكن أن يرتكن إليها بثبات النظام العالمي الحالي هي:
1- وحدة أوروبا يجب ألا تكون على حساب حلف الأطلنطي.
2- من البروسترويكا إلى روسيا الحالية: هل تعود الدولة إلى حكم مركزي جديد؟
3- ألمانيا المتحدة “غرب وشرق” لها دور مهم في تثبيت العلاقات الأوروبية.
4- الحرب ضد صدام من أجل إيجاد الاستقرار في الشرق الأوسط.
5- إسرائيل وفلسطين: الهدف النهائي هو الأرض مقابل الأمن، مع تأكيد الاهتمام بدور سوريا في الاستقرار النهائي للشرق الأوسط.
6- الصين واليابان -ولم يذكر الهند- ودورهما في شؤون آسيا والباسيفيك.
ومن الواضح أن “كيسنجر” كخبير بالشؤون الخارجية قبل وبعد توليه وزارة الخارجية الأمريكية (1973-1977) واستمرار وجوده كمستشار وخبير لرؤساء أمريكيين قد جعل له آراء مهمة تقوم على أساس واحد هو الهيمنة الأمريكية كقطب وحيد بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وخلاصة آرائه السياسية أن السيادة الأمريكية يجب أن تظل مستندة إلى درع أوروبية مرتبطة بحلف شمال الأطلنطي، أي أنه مهما كان توجه الأمور في أوروبا في اتجاه التوحد أو التفرق السياسي، فإنها يجب ألا تصيب حلفها مع أمريكا بالضعف، بل تظل علاقة التحالف قوية فوق أية توجهات أوروبية خاصة.
واعتبر “كيسنجر” بريطانيا جزءًا غاليًا مكملاً للكثير من السياسات الأمريكية، ويعتبر أن استمرارية العلاقات الإيجابية الأمريكية الأوروبية هي الركيزة الأساسية لبقاء هيمنة القطب الأمريكي على العالم، لكنه لا يزال يتخوف من الموقف الروسي، الذي لا ينكر فعاليته على أوروبا، ومن ثم فهو يمثل نوعًا من التهديد للدرع الأوروبية التي تمثل حدود أمريكا الشرقية، إذن فثلاثة من الأعمدة التي يرى “كيسنجر” أنها عماد النظام العالمي بزعامة أمريكا تدور كلها في فلك استحضار صورة ما للعالم كما كان منقسمًا إلى معسكر غربي وآخر شرقي، ولكن مع استمرار السيادة الغربية.
أما الأعمدة الثلاثة الأخرى فتدور حول العالم خارج دول الغرب والشمال، فهي الصين واليابان وآسيا، فإن “كيسنجر” ينسى الهند التي أصبحت حليفًا أمريكيًا بصورة لا بأس بها بعد أن كانت قوة حياد وعدم انحياز يحسب لها حساب، فضلاً عن علاقاتها مع روسيا، أما العمودان الآخران لاستقرار النظام العالمي فهما الحرب ضد صدام واحتلال العراق لتحقيق أمن الكيان الصهيوني، وكذلك الأرض مقابل الأمن في الصراع العربي الصهيوني بما يحقق أمن الكيان الصهيوني، مع الارتباط الاستراتيجي بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” في شرق البحر المتوسط، تطرق غالبًا سبيل القوة من أجل تنفيذ مخطط يبدو أنه لحماية أمنها بإبعاد الحدود العسكرية للدول العربية الملاصقة عن حدودها السياسة الراهنة، بمعنى إخلاء أجزاء من الدول العربية من القوة العسكرية، وهو ما حدث منذ فترة في سيناء بموجب اتفاقية “كامب ديفيد” في مصر، ويحدث الآن في جنوب لبنان وتريده أن يظل كذلك في مرتفعات الجولان.

الهيمنة الأمريكية عن طريق “مشروع الشرق الأوسط الكبير”
نظرًا لضعف الأنظمة العربية والإسلامية وتمزقها، فإن الولايات المتحدة اعتقدت جازمة بأنها قادرة على فرض إرادتها وعلى وضع مشروعات الهيمنة ووسائل تنفيذها وطرح المبادرات تلو الأخرى وتسويقها لدى الشعوب، مثلما هي قادرة على الغزو العسكري وفرض العقوبات وكل صور التدخل المباشر وغير المباشر.
وقد بدأت مشروعات الهيمنة بـ”مشروع ترومان” عام 1949، والذي عرف باسم النقطة الرابعة نسبة إلى المادة الرابعة منه، وتضمن إمكانية تقديم مساعدات سياسية واقتصادية وعسكرية إلى دول العالم العربي الواقعة تحت النفوذ الغربي، ثم تبعه مشروع “القيادة الرباعية للشرق الأوسط” في عام 1951، وكان هدفه إقامة سلسلة من التحالفات السياسية والعسكرية مع دول المنطقة والتنسيق فيما بينها، كما فرض المصطلح الأمريكي الغربي الصهيوني “الشرق الأوسط” بديلاً عن العالم العربي والإسلامي إمعانًا في مسخ الهوية العربية والإسلامية.
ومن المؤسف انسياق الساسة والكتاب العرب والمسلمين في استخدام المصطلح بل وفي شتى وسائل الإعلام، ثم مشروع “قيادة الشرق الأوسط العسكرية” عام 1953، أو الحزام الشمالي للمنطقة التي تضم بعض الدول العربية وبعض دول الجوار في آسيا خاصة إيران وباكستان وتركيا، إضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، وتمخض عن ذلك ما عرف باسم “حلف بغداد” وجاء “مشروع أيزنهاور” لملء الفراغ -كما يدعون- عام 1957م ليعبر عن واقع سياسي إقليمي دولي جديد بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وكان هدفه الواضح هو بسط النفوذ الأمريكي المباشر على المنطقة بعد تداعي الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، وامتدت هذه المشاريع الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط حلف “وارسو” وتفكك الاتحاد السوفيتي، وظهور الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى في نظام عالمي جديد أحادي القطبية.
وجاءت المشاريع الجديدة لتعبر عن نزعة إمبراطورية أمريكية واضحة، وكان أشهر هذه المشاريع مشروع “الشرق الأوسط الكبير”، وهو يمتد حسب الرؤية الأمريكي من “إسلام أباد” في باكستان وحتى الرباط “المغرب” وهو مشروع الولاية الثانية للرئيس “جورج دبليو بوش”، وهو مشروع صهيوني في الأصل يستهدف السيطرة على المنطقة “أرضًا وسماء” وهو امتداد لمشروع “أبا يبان” وزير خارجية الكيان الصهيوني عام 1967 حول إقامة تجمع إقليمي لدول “الشرق الأوسط” وصولاً إلى مشروع المارشال الصهيوني المعروف باسم “مشروع بيريز للتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط” وكلها تتلاقى وتتعانق مع مشاريع إسرائيلية-أمريكية، منها مشروع “دالاس” الخاص بإقامة مشاريع ري مشتركة تقوم بها البلدان العربية و”إسرائيل”، أو مشروع “جونسون” الخاص باستثمار مياه نهر الأردن استثمارًا عربيًا “إسرائيليًا” مشتركًا، أو مشروع “أيزنهاور” الذي يخصص مساعدات مالية إلى الدول العربية مع ربطها بمقاومة الشيوعية، والذي سبق الإشارة إليه.
وقد تطور مشروع “الشرق الأوسط الكبير” فيما بعد وبسبب ضغوط أوروبية إلى مشروع “الشرق الأوسط الموسع” الذي كان عنوانه العملي الحرب على الإرهاب ابتداء من الحرب على أفغانستان ثم غزو العراق واحتلاله، ثم جاء المصطلح الأمريكي “الشرق الأوسط الجديد” على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية “كوندوليزا رايس” معتبرة أن الأزمات التي تعصف بالمنطقة دليل على بزوغ نجم “الشرق الأوسط الجديد” إبان الحرب الإسرائيلية ضد لبنان والتواطؤ الأمريكي مع إسرائيل الذي ظهر واضحًا في تباطؤ وقف الحرب وفي مجلس الأمن “القرار 1701” ليتحقق لإسرائيل ما لم تستطع تحقيقه بالحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *