حوار مع الشيخ مخلص برزق*: عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج، وكاتب ومؤلف وباحث في شؤون القضية الفلسطينية ودراسات المسجد الأقصى المبارك من كتبه المنشورة “هدي المصطفى في غرس حب الأقصى”
الشيخ مخلص لو تحدثنا عن الشيء المختلف هذه المرة في هذه المحنة عن المحن التي يعيشها أو التي عاشها الفلسطينيون من قبل؟
ما يجري الآن حلقة ضمن حلقات متتابعة من حلقات المكر اليهودي الصهيوني المتطلع إلى الهيمنة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك لتحويله إلى معبد يهودي، تم استغلال العملية البطولية التي استشهد فيها ثلاثة من أبطال مدينة أم الفحم (أم النور) بعد قتلهم شرطيين عند باب حطة من أبواب المسجد الأقصى، فأغلقوا الأقصى إغلاقاً تاماً ومنعوا الصلاة والأذان فيه في اعتداء غير مسبوق منذ عام 1969، تبعه وضع بوابات إلكترونية على أبوابه للحد من أعداد المصلين وفرض السيادة الصهيونية عليه كخطوة متقدمة جداً تؤدي إلى تهويده ومصادرته بالكامل مثلما جرى مع المسجد الإبراهيمي. هذا الأمر فجر براكين الغضب الكامنة في صدور المقدسيين الذين هالهم وصدمهم حرمانهم من مسجدهم وعدم سماعهم لأذانه ثلاثة أيام بلياليها، وزاد صدمتهم وغضبهم وضع تلك البوابات الخطيرة جداً فاتحدوا جميعاً على رفض الدخول من خلالها وصدرت فتاوى وتوجيهات بعدم جواز الدخول للمسجد من خلالها لأن ذلك يتسبب بمفسدة عظيمة ويؤدي إلى عواقب خطيرة يمكن أن تفضي إلى تعطيل الصلاة تماماً بالمسجد الأقصى مستقبلاً. ومن هنا بدأ الرباط والاحتشاد عند أبواب المسجد الأقصى خاصة باب الأسباط وباب المجلس وتنادى الناس في القدس وفي فلسطين المحتلة عام 1948 للصلاة والرباط عند تلك الأبواب تحدياً للإجراءات الصهيونية وتعبيراً عن الرفض القاطع لها، ورأينا كيف تطور الأمر إلى تحويل صلاة الجمعة في كافة مساجد القدس وحيفا ومدن أخرى في الداخل المحتل إلى صلاة جمعة واحدة عند أبواب المسجد الأقصى، والصدام المباشر مع قوات الاحتلال وارتقاء الشهداء وإصابة الكثيرين من المرابطين دون أن يفت ذلك في عضدهم، ثم انعكاس ذلك بالمقابل ثأراً وانتقاماً من البطل عمر عبد الجليل منفذ عملية حلميش التي قتل فيها ثلاثة مستوطنين رداً على الإجرام الصهيوني في القدس. والأمور مرشحة للتصعيد في ظل الخذلان والتشرذم العربي والتغاضي الدولي عما ترتكبه العصابات الصهيونية من جرائم بحق الأقصى والمقدسيين، مع الاندفاع الأهوج من النتن ياهو لتحقيق تغيير جوهري وحقيقي على أرض الواقع يقربهم من إقامة هيكلهم المزعوم.
ما الذي تقومون به في هيئة علماء فلسطين، وماهي إمكانياتكم وحاجياتكم وتطلعاتكم؟
هيئة علماء فلسطين في الخارج هي إطار جامع لعلماء فلسطين المقيمين في الشتات الذين حالت ظروف الاحتلال وصعوبة التنقل أن تجمعهم بإخوانهم علماء فلسطين في الداخل، ورؤية الهيئة “جمع علماء الشريعة من أبناء فلسطين في الخارج ذكوراً وإناثاً تحت مظلة واحدة لخدمة القضية الفلسطينية” ورسالتها “حشد طاقات العلماء لنصرة قضية فلسطين والتأصيل الشرعي للمسائل المتعلقة بها بطريق علمي منهجي”. وتهدف الهيئة من خلال أعمالها ولجانها المختلفة والتي تضم لجنة الفتوى ولجنة الإعلام ولجنة الدعوة ولجنة البحوث والدراسات إلى بث الوعي بالقضية الفلسطينية من خلال التأكيد على إسلامية القضية وأرض فلسطين، والإسهام في نشر التأصيل الشرعي للقضية الفلسطينية ومستجداتها بأبعادها المختلفة، وتفعيل دور علماء الأمة تجاه قضيتهم الفلسطينية، وحشد الرأي العام الإسلامي والإنساني نصرة لها، ودعم روح الجهاد والمقاومة لدى الشعب الفلسطيني، والعمل على تأهيل عدد من أبناء الشعب الفلسطيني تأهيلاً علمياً شرعياً، والتعريف بالمشروع الصهيوني والمشاريع الاستعمارية في المنطقة عموماً وفلسطين خصوصاً والتصدي لها، والعمل على تدعيم وتوثيق الارتباط بين فلسطينيي الشتات بالقضية الفلسطينية ودعم وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ودعم الجهود الرامية للمحافظة على القدس وسائر المقدسات والأوقاف في فلسطين.
ولأجل تحقيق ذلك قامت الهيئة بمناشط وفعاليات كثيرة كالمنتدى الشهري الذي يجمع علماء الأمة من مختلف الجنسيات للتباحث في قضايا الأمة وواجب العلماء تجاهها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتم عقد العديد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات وورش العمل الفكرية داخل تركيا وخارجها إضافة للدورات العلمية الشرعية والتأهيلية والمخيمات العلمية للطلبة الأتراك ذكوراً وإناثاً، كما تم تأمين العديد من المنح الدراسية للطلاب الفلسطينيين، واعتنت بمناشط عديدة لجرحى المقاومة الباسلة كان منها إقامة دروس دعوية خاصة بهم، وقامت الهيئة بطباعة العديد من الكتب والنشرات التأصيلية وأصدرت البيانات في مناسبات مهمة وأحداث جسيمة تتعلق بفلسطين وقضايا الأمة على حد سواء وعقدت المؤتمرات الصحفية وجمعت لفيفاً من علماء الأمة للقاء قادة المقاومة عقب العدوان الصهيوني على غزة عام 2014 للتناصح والتشاور، وأنتجت ودعمت العديد من البرامج والحلقات التلفزيونية التي تؤصل تأصيلاً شرعياً للقضية إضافة إلى أعمال كثيرة يضيق المجال لذكرها هنا.
والحاجات كبيرة لتغطية الأعمال التي تطمح إليها الهيئة بشرياً ومادياً وإعلامياً وأكاديمياً فالهيئة ترحب بأي تعاون معها لدعم الأهداف التي أشرت إليها والمشاريع الطموحة التي تسعى إلى تنفيذها والتي تتطلع من خلالها إلى إقامة مركز أبحاث متخصص بالتأصيل الشرعي للقضية الفلسطينية وكافة مسائلها وما تحتاجه من فتاوى واجتهادات وأبحاث علمية وترجمتها إلى اللغات الحية، والعمل على توسيع دائرة التواصل مع علماء الأمة والتعاون سوياً لحشد الأمة نحو قضيتها المركزية.
ماهي سيناريوهات هذه القضية في نظركم؟
نحن نرى أن الأمور تسير ضمن سيناريو رضوخ الكيان الصهيوني وخضوعه لمطالب المرابطين بإزالة البوابات الإلكترونية والكاميرات والعدول عن كل المخططات الصهيونية التي تخدش سيادة المسلمين على مسجدهم الأقصى بما في ذلك ما قيل عن استبدال التفتيش الإلكتروني بالتفتيش اليدوي. الغضبة المقدسية ستتصاعد بإذن الله ومعها غضبة الشعوب الإسلامية المساندة لها وسوف تزداد الضغوط على رئيس حكومة العدو للنزول عن الشجرة التي صعد إليها صاغراً ذليلاً بإذن الله تعالى، فيما نتوقع أن تتصاعد انتفاضة القدس بفعالياتها المختلفة وتزداد عمليات المقاومة في الضفة المحتلة التي تئن تحت ضغط التنسيق الأمني الآثم، ولن تكون عملية مستوطنة حلميش أو عملية سفارة العدو في الأردن يتيمة فريدة فالأمة مجروحة في قلبها والأجواء كلها تنذر بالتصعيد رداً على غطرسة العدو الصهيوني المجرم، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى أن أوضاع الأمة البائسة ستزيد من انحيازها إلى قضيتها المركزية لتنفث غضبها وقهرها في وجه العدو الصهيوني محرك الفتن ومشعل الحروب وداعم الطغاة والمساند لهم في وجه الشعوب.
ماهي انتظاراتكم من العرب والمسلمين، وماذا تطلبون منهم وكيف يمكنهم مساعدتكم؟
نحن نقولها بكل وضوح وجلاء أنه ليس مطلوباً من العرب والمسلمين مساعدتنا فنحن ليس لدينا مشروعاً خاصاً بنا ونريد أن يساعدنا أحد عليه. لكن المطلوب من العرب والمسلمين أن يقوموا بمهمتهم التي ألقيت عليهم من رب العالمين تجاه مشروع نسعى نحن أن نؤدي واجبنا تجاهه مثلهم، وإن كنا نتهم أنفسنا بالتقصير الشديد حياله.
عليهم أن يساندوا أنفسهم في كيفية أداء الواجب الملقى على كاهلهم تجاه مسجدهم الأقصى المبارك وتبعات تحريره وتطهيره، عليهم تجهيز إجابات من الآن على سؤال ربهم لهم عن الذي فعلوه وقدموه له، ما هي الأعمال والخطط التي دعموا بها مشروع تحريره؟ هل كانت كافية أم أنها كانت قاصرة عن تحقيق تلك الغاية؟ أم أنها كانت سبباً في إطالة عمر وأمد الاحتلال؟
أما أهل فلسطين فهم ماضون في مقارعتهم للعدو المحتل وقد اتضح للقاصي والداني أنهم لا ينتظرون دعماً إلا ممن يناجونه وينادونه في رباطهم وصلاتهم كما رأيناهم على الهواء مباشرة يستغيثون: “يا الله”. ورأيناهم يتكافلون فيما بينهم لإطالة أمد رباطهم والثبات في وجه إجراءات المحتل الإجرامية الرامية إلى كسر إرادتهم وثنيهم عن مواصلة جهادهم.
على العرب والمسلمين أن يدافعوا عن أولئك المرابطين في بلادهم ويردوا عنهم، فقد أصبح المطلب السامي في هذا الزمان –وللأسف- ليس دعم المقاومين والمجاهدين والمرابطين، وإنما عدم طعنهم في ظهرهم وكيل التهم والأباطيل لهم، على العرب والمسلمين لجم الفئات الشاذة التي تنادي بالتطبيع مع المحتل، وفضح المرجفين المثبطين المخذلين للأمة والذين يتصدرون وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والرد عليهم.
ومن جانب آخر فعليهم أيضاً القيام بالضغط على السلطة الفلسطينية كي تمارس دورها الوطني بالانحياز إلى الشعب الفلسطيني والتحرر من قيود أوسلو والتنسيق الأمني الآثم، والكف عن ملاحقة المقاومين واعتقالهم وتسليمهم للصهاينة، والتوقف عن فرض الإجراءات القمعية للمظاهرات وكافة مظاهر الغضب الشعبي في الضفة المحتلة تجاه العدو الصهيوني.
وباختصار شديد فإن على العرب والمسلمين أن يتحركوا بلا وسيط تجاه قدسهم ومسجدهم بجعله قضية ذاتية داخلية حيوية مهمة وعاجلة لا تنتظر التأخير.