أشجار أنهكها الخريف عبد الله الهيشو

 

تحت أديم مجتمع متهافت على تسلق ذرى الرقي والتقدم، وفي خضم معركة من أشرس معارك التاريخ الصامتة، حيث فرسانها وأبطالها يبذلون ما يمكن أن تطلق عليه كلمة البذل كي يجمعوا ما يمكن لأكفهم أن تحمله من الأموال والغنائم، وسط عالم ميكانيكي آلي لا يعرف قريبا ولا بعيدا إلا نادرا، بداخل نواة عالم ارتأى فصل الجسد عن الروح ففقدهما معا، تحت تأثير أصوات وأنين الهاتفين بطلب إزالة قانون ديني، أو بتره، تحت أقدام دولة أو دولتين من الدول الرأسمالية الإمبريالية العظمى تدور رحى حياتنا اليوم.

فهل بقي من كأس حضارة لامعة فتات من زجاجها المكسور يُذكّر العالم بها وهي عجوز كهلة منحدرة الظهر؟ وهل ما زال في آخر النفق وميض شمعة تدل الحيارى على دليل؟ وهل ما زال المسلمون مصرون على طمس معالمهم وكبح تقدمهم؟ وإلى متى؟

عندما يخرج المرء منا متجولا في أحياء المسلمين وأزقتهم ومدنهم ودولهم فإنه إن كان في قلبه سناء خافت، وحرقة على الإسلام، سيرى آثارا قد ذرتها الرياح، وذا هيمنة وسلطان بالماضي قد صار غريبا اليوم، يقوم بما هو ملزم بفعله خلسة وحياء من أن يهزأ أو يضحك أو يستهتر به أحدهم…

سيرى أنه عندما ينقاد أحد المسلمين في بلاد الإسلام إلا الأقل منها لشرائع دينه اللازمة يسمي متعصبا أو متشددا داعشيا، أو متزمتا إلى آخر الأسماء والنعوت المتداولة التي ينعى بها غرباء الإسلام..

سيرى المتأمل في الشعوب التي دينها الرسمي الإسلام أن كل من تمثله في خصاله وأفعاله وحياته وهيئته الخارجية فهو إرهابي وهابي متطرف.

سيشهد كل شاب أو فتاة سلكا الطريق الذي خط لنا سبيله المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد أنواع الإذايات والشتائم اللاذعة، مع مختلف طبقات المجتمع بل حتى مع أقرب الأقربين إليه.

سينفطر فؤاد كل غيور على الدين عندما يرى ما هو جار على البسيطة المعمرة من طرف المسلمين، من اختلاط وتبرج وترك للصلاة وهجر لأساسيات الدين وأعمدته وبيوع محرمة وعقود مزورة، وغيرها مما وضع عليه الإسلام علامة الحظر، بل سيُفت كيانه أكثر إذا لحظ الدعم والأمان والحقوق المعطاة لهم، وبالطرف الآخر يرى الاضطهاد والتضييق والخنق الذي يعايشه الملتزمون والملتزمات الالتزام الحق.

فواعجبا من أمة بالإسلام بلغت ذروة الحضارات والرقي في شتى الفنون والعلوم من طب وفلسفة وفلك وفيزياء وكيمياء ومنطق وشرع مناسب للفطرة الإنسانية يركن لها كل من له قلب.

وواعجبا من أمة فتحت حصون المشرق والمغرب، ذات مجد تليد وقوة إيمانية لا تتصورها ولا تدرك كنهها العقول، قد تكبكبت في المهاوي وتحولت إلى غثاء وسراب وانحطاط راضية بدعس الأقدام والذل والهوان والانكسار.

إن مفتاح باب النجاة بأيدينا نعرفه كما نعرف أبناءنا وأنفسنا، إلا أن حمله ينوء بالعصبة أولي القوة، ونحن ذوو عزم ضئيل وإيمان غير كفيل، وهمة لا تُقيل.

فهل نحن يا ترى آيبون إلى جحرنا الأول الذي لا نأمن مكر الماكرين والمخادعين إن نحن خرجنا عنه أم لا؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *