إن البحث في هذه المسألة يعتمد أساسا على واقع التجربة والخبرة والممارسة، ولا يعتبر الخوض في هذه المسميات أمورا تندرج تحت الأمور الغيبية، ولا تعتبر كذلك أمورا مسلما بها، ليست عرضة للتبديل أو التحريف.
لذلك يلاحظ الاختلاف في تلك المسميات من باحث لآخر، مع أنها تدور حول معنى واحد وقاسم مشترك، وتلك الألفاظ لا تعدو إلا أن تكون اجتهادا مبنيا على واقع معاصر عايشه المعالجون طيلة سنوات من الخبرة والبحث والدراسة، وهذا الاجتهاد لا تبنى عليه أية أحكام شرعية أو مساس بأصول العقيدة والمنهج.
الصرع العضوي (الطبي- صرع الأخلاط)
قال الحافظ في الفتح: “انحباس الريح قد يكون سبباً للصرع وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسية من انفعالها منعاً غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، وقد يتبعه تشنج في الأعضاء، فلا يبقى الشخص معه منتصباً بل يسقط، ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة”. (فتح الباري 10/100).
يقول الدكتور حسني مؤذن الأستاذ بجامعة أم القرى: “الصرع العضوي ينتج عن وجود بؤرات صرعية في المخ، في أغلب الأحوال نشأت بسبب التهاب في الدماغ في السابق، أو بسبب خبطة شديدة تعرض لها الدماغ، وتسبب هذه البؤرات نشاطا كهربيا زائدا في المخ، ويمكن الكشف عن هذا النوع من الصرع بواسطة جهاز رسم المخ الكهربائي، ويكون لهذا النوع مقدمات، كالصداع أو القلق أو زغللة في العين أو صفير في الأذن وتأخذ النوبة الصرعية شكلا مميزا، فتبدأ بصرخة من المريض يعقبها وقوعه فجأة على الأرض، مع تيبس وتخشب كامل في كل جسمه، ثم تبدأ عضلاته في الاختلاج بشدة، ويعض أثناءها على لسانه، أو يتبول على نفسه، ويزرق لونه، ثم يبدأ بعد ذلك في التنفس بشدة، مع ظهور رغوة في الفم، وتستمر هذه النوبة لعدة دقائق، ثم يفيق المصروع، وقد يستمر في غيبوبته لفترة معينة”.
صرع الجن للإنس
إن الله سبحانه وتعالى جعل قدرة للجن والشياطين يستخدمونها في التسلط على الإنس بالإغواء والإضلال والوسوسة، وكذلك فإن لهم القدرة على التسلط على جسد الإنسان بإمراضه بأنواع من الأمراض كالصرع والصداع ونحوه، فتجد المصاب بالصرع يتخبط في حركاته وتصرفاته، ولا يعقل من ذلك شيئا، وسبب ذلك تسلط الكفرة والفسقة والعصاة من الجن على عقله وجسمه بحيث يصل إلى هذا الحال، وما كان ذلك التسلط إلا بسبب العداوة المتأصلة بينهما.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في الفتح: “وقد يكون الصرع من الجن ولا يقع إلا من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية، وإما لإيقاع الأذية به، والأول: هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه، والثاني: يجحده كثير منهم، وبعضهم يثبته ولا يُعرف له علاج إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية ليندفع آثار الأرواح الشريرة السّفلية، وتبطل أفعالها، وممن نص منهم على ذلك “أبقراط”، فقال لما ذكر علاج المصروع هذا: إنما ينفع في الذي سببه أخلاط، وأما الذي يكون من الأرواح فلا) (فتح الباري، 10/101).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “والصرع نعوذ بالله منه نوعان:
1- صرع بسبب تشنج الأعصاب: وهذا مرض عضوي يمكن أن يعالج من قبل الأطباء الماديين بإعطاء العقاقير التي تسكنه أو تزيله بالمرة.
2- وقسم آخر بسبب الشياطين والجن: يتسلط الجني على الإنسي فيصرعه ويدخل فيه ويضرب به على الأرض ويغمى عليه من شدة الصرع ولا يحس.
ويتلبس الشيطان أو الجني بنفس الإنسان ويبدأ يتكلم على لسانه، والذي يسمع الكلام يقول أن الذي يتكلم الإنسي ولكنه الجني! ولهذا تجد في بعض كلامه الاختلاف لا يكون ككلامه وهو مستيقظ لأنه يتغير بسبب نطق الجني.
هذا النوع من الصرع -نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه ومن غيره من الآفات- هذا النوع علاجه بالقراءة من أهل العلم والخير.
أحيانا يخاطبهم الجني ويتكلم معهم ويبين السبب الذي جعله يصرع هذا الإنسي، وأحيانا لا يتكلم وقد ثبت هذا!! أعني صرع الجني للإنسي بالقرآن والسنة والواقع” (شرح رياض الصالحين، 1/177، 178).