أثر ضعف الإيمان على الأمة الإسلامية عبد العزيز الرويلي

 

فقد بعض المسلمين الرغبة في العمل والعطاء، وتسرَّب إليهم الوهن والضعف ودنوُّ الهمة؛ لضعف إيمانهم، فالقوَّة الإيمانية التي دفَعتْ إسلامهم نحو الرُّقيِّ والبناء لم تعدْ تملك الوَقُود اللازم الذي يتمثَّل في صَفاء الروح، ووُضوح الهدف والفِكرة، وبذلك أصبح المسلمون عاجِزين عن أداء رِسالتهم الحقيقيَّة؛ لأنَّ مَن يَفقِد تلك القوَّة الدافعة للعمل سيَبقَى ثابتًا في مكانه يَدُور حول نفسه.

وقد بيَّن الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- حالَ الأمة حين تَفقِد تلك القوَّة الإيمانية؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (يُوشِك الأمم أنْ تداعَى عليكم كما تداعَى الأكلة إلى قَصْعَتها)، فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: (بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ الله من صُدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قُلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حبُّ الدنيا وكراهية المَوْتِ) [أخرجه أبو داود (4297) وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/182، وصحَّحه الألباني في “صحيح الجامع” برقم (8183)].

إنَّ هذا الحديث يُقدِّم لنا تفسيرًا واضحًا للأزمة التي تمرُّ بها الأمَّة الإسلاميَّة في هذا العصر، مع ما لديها من كثْرةٍ في العدد، ووفرةٍ في الوسائل، فالرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- وصَف الأمَّة بالغثائيَّة، وهي تعني: فقدان الإيمان والمنهج؛ لأنَّ السيل المُتَدافِع ليس له هدفٌ يسيرُ إليه، وهو في سَيْره يحمل رُكامًا من الأشياء التي ليس لها أيَّة أهميَّة في نظَر الإنسان، وما تلك الغثائيَّة إلا بسبب حبِّ الدنيا وكراهية الموت، وبُعدنا عن الإيمان.

فإنَّ ضعفَ الإيمان أصلُ الأسباب التي جعلت هذا الضعف ودنوَّ الهمة عند الأمَّة، فدبَّ العجز والكسل في أفرادها، وممَّا يُبيِّن لنا أنَّ الإيمان يُقوِّي العزم عند المؤمن، ويزيل أثَر الغثائيَّة والوهن والشعور بالضعف قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173]، يقول البغوي في تفسير هذه الآية: “﴿فَاخْشَوْهُمْ﴾ فخافوهم واحذروهم؛ فإنَّه لا طاقة لكم بهم، ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ تصديقًا ويقينًا وقوَّة” [معالم التنزيل؛ للبغوي ص 260].

وعندما بلَغ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خبرُ عزم أبي سفيان على الرُّجوع بجيشه إلى المدينة، أو أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قدر في نفسه الشريفة هذا الرجوع، نهض بكلِّ جدٍّ وحَماس وهمَّة، وأمَر مُناديه باستِدعاء أولئك الذين شارَكوا في قِتال العدوِّ في معركة أحد، دعا مُنادِي رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء للخروج لتتبُّع العدوِّ، ولإظهار قوَّة المسلمين، وإعلام المشركين بأنَّ ما أصابَ المسلمين يوم أحد لم يُضعِفهم، ولم يوهن عزيمتهم، وأنَّ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من القوَّة ما يُمكِّنه من مُلاحَقتهم.

إنَّ أعداء الإسلام، وأعداء الدعوة إليه، وأعداء دُعاته قد بلغ بهم الحقد والكراهية مبلغًا حملَهُم على عَداوة المسلمين لعقيدتهم لا لشيء آخَر؛ ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: 8]، لذا يتعين على الأمَّة الإسلاميَّة أنْ تبذل كلَّ ما تستطيع لإعداد قوَّة الإيمان في نفوس المسلمين عُمومًا، وقوَّة العلم، وقوَّة العدد من الدعاة والأنصار، وقوَّة النظام والتنظيم، وقوَّة العزيمة والهمَّة، وقوَّة الصبر على المكارة؛ لنَصِلَ لأعلى الدرجات في الدنيا والآخِرة، ونُحقِّق الرسالة التي نحملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *