فضل عشر ذي الحجة والحث على الإكثار من العمل فيها “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”

من نعم الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسيم للخيرات، ومنسبات لنيل الأجر ورفعة الدرجات، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، عسى أن تصيبه نفحت من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات.
ومن ذلك شهر ذي الحجة، وخاصة العشر الأول منه.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر” صحيح الجامع.
قال كعب رضي الله عنه: “اختار الله الزمان، فأحب الزمان إلى الله: الأشهر الحرم، وأحب الأشهر الحرم إلى الله: ذو الحجة، وأحب ذي الحجة إلى الله: العشر الأول”.
ومما يدل على فضلها أن الله تعالى أقسم بها فقال سبحانه: “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ”.
قال مسروق رحمه الله عند هذه الآية: “هي أفضل أيام السنة”.
وقال ابن رجب رحمه الله: “وأما الليالي العشر فهي عشر ذي الحجة، هذا الصحيح الذي عليه جمهور المفسرين من السلف وغيرهم وهو الصحيح عن ابن عباس” لطائف المعارف.
فضلـها
من فضائلها أنها الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها على ما رزق من بهيمة الأنعام.
قال تعالى: “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ”.
قال ابن رجب رحمه الله: “وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذو الحجة” لطائف المعارف.
ولما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته.
في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.
قال ابن رجب رحمه الله: “وقد دلَّ هذا الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء.. وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها من أيام السنة كلها صار العمل وإن كان مفضولا أفضل من العمل في غيره وإن كان فاضلا” لطائف المعارف.
فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة بالإكثار من الصلاة والصيام والأذكار الشرعية الشريفة، والمبادرة المبادرة إلى العمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، فقبل أن يندم المفرط على ما فعل، وقبل أن يسأل الرجعة ليعمل صالحا فلا يجاب إلى ما سأل، قبل أن يحول الموت بين المُؤَمل وبلوغ الأمل، قبل أن يصير المرء مرتهن في حفرته بما قدم من عمل.
عن مجاهد رحمه الله ما من عمل في أيام السنة أفضل منه في العشر ذي الحجة.
وقال الحسن رحمه الله: “صيام يوم من العشر يعدل شهرين”.
ومما ينبغي الحرص عليه في هذه العشر صيام اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة فعن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله” رواه مسلم وغيره.
مع التنبيه أنه لا يستحب للحاج صيامه فقد كان هديه عليه الصلاة والسلام الفطر يوم عرفة بعرفة، لما في ذلك من التقوية على الدعاء والذكر في هذا الموقف، وهذا مذهب جمهور العلماء. انظر المجموع شرح المهذب 6/380، والتمهيد 21/158، وشرح العمدة لابن تيمية 2/762.
فعن ميمونة رضي الله عنها أن الناس شكُّوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون” متفق عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *