“القانون الإطار” أربع سنوات من الجدل والنقاش

فكرة القانون الإطار، هي حزمة إجراءات تبناها الملك محمد السادس شخصيا منذ خطاب عشرين غشت 2013، وعلى رأسها:

تفعيل الدستور فيما يخص تشكيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ووضع قانونه التنظيمي، ثم تقييم تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

هذا التقييم جاء من خلال التقریر التحليلي الذي أعدته الهيئة الوطنیة للتقییم سنة 2014 حول “تطبیق  المیثاق الوطني للتربیة والتكوین 2000/2013”.

في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية أكتوبر 2014، كلف الملك محمد السادس، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بمهمة وضع خارطة طریق لإصلاح المدرسة المغربية والرفع من مردوديتها.

ثم جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2015، ليعزز الاهتمام الملكي بقضايا التعليم وتوجيه النقاش الوطني حول مستقبله، والذي أمر فيه الملك محمد السادس بوضع «قانون إطار»، والذي يعني صنف من القوانين ينظم الأهداف الكبرى لأنشطة الدولة في مجال التعليم، على أن يترك للقطاعات المعنية هامش اقتراح القوانين والمقررات القانونية الجزئية التي تهم مجالا معينا، لكن مع الاستناد دوما لمرجعية القانون الإطار.

في هذا السياق، جاءت الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية 2015-2030، التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، انطلاقا من المشاركة الموسعة لكافة الفاعلين والمتدخلين والشركاء.

توصل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بمشروع القانون الإطار، والذي انتهت من إعداده لجنة مؤقتة، بدأت أشغالها في 29 يناير 2016.

في شتنبر 2016، عقد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، دورة استثنائية للتداول في طلب الرأي الذي توصل به المجلس من طرف رئيس الحكومة، حول مشروع القانون-الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، على أن تخصص هذه الدورة لتشكيل لجنة مؤقتة تتولى إعداد مشروع هذا الرأي.

الصياغة الأولية لمشروع القانون الإطار، والتي تم توزيع نسخ منها على أعضاء المجلس، تتضمن تجميعا مختصرا لما تضمنته الرؤية الاستراتيجية في نسختها المعدلة، وصياغتها في شكل قانوني معياري لا يسمح باختلاف التأويلات.

بالرغم من ذلك، طفت على السطح التأويلات والتفسيرات والمخاوف من هذا القانون الإطار، وهو الأمر الذي عبرت عنه مجموعة من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية، مبدية رفضها لمشروع القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، الذي جاء لتقنين الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030.

فقد اعتبرت كل من النقابة الوطنية للتعليم العالي (SNESUP) والنقابة الوطنية للتعليم (CDT) والنقابة الوطنية للتعليم (FDT) والجامعة الوطنية للتعليم (FNE) والجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH) وأطاك المغرب (ATTAC)، في بلاغ مشترك، أن مشروع القانون الإطار رقم 51.17 يسعى إلى “مواصلة عملية تسليع التعليم عبر فتح القطاع، من الأولي إلى العالي، أمام الرأسمال المحلي والأجنبي”، و”ضرب مصداقية الديبلومات الجامعية”.

ووصفت الهيئات ذاتها مشروع القانون بأنه “مقاربة لا شعبية لقطاع التربية والتكوين”، لها “طابع تصفوي لقطاع استراتيجي وحيوي لازم لكل إقلاع اقتصادي وتطور اجتماعي وثقافي ومعرفي”.

وأعلنت الهيئات المذكورة، “إدانتها لكل الامتيازات التي تعطى للقطاع الخاص (من إعفاءات ضريبية، أموال عمومية…) من أجل جني الأرباح على حساب الخدمات العمومية”، ودعت الهيئات ذاتها من وصفتها بـ”القوى التقدمية” إلى “التلاحم لتشكيل جبهة وطنية للتصدي لما يحاك ضد الجامعة والمدرسة العمومية”، مناشدة فروعها “النضال المشترك والجماعي من أجل وقف هذا العدوان على ما تبقى من مجانية التعليم ومن تعليم عمومي”، بتعبير الوثيقة ذاتها.

القوى الإسلامية والمحافظة، بدورها كانت لها اعتراضات وانتقادات، لهذا المشروع، خاصة في الجوانب المتعلقة باللغة والهوية، وهكذا اعترض حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، ومختلف القوى والتيارات الإسلامية، على المادتين 2 و 31، المتعلقتين بالتناوب اللغوي، والذي عرف شعبيا بفرنسة التعليم.

ودخل كل من حزب العدالة والتنمية، وحزب الاستقلال، في حرب شرسة ضد تدريس المواد العلمية والتقنية باللغات الأجنبية الفرنسية والإنجليزية، نفس الأمر بالنسبة لجماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح، وشخصيات سلفية مستقلة، وعدد من المتخصصين والباحثين من تخصصات عديدة لغوية وتقنية وعلمية وشرعية…

هذه النقاشات والاعتراضات والبلاغات والبيانات، ومختلف أشكال الضغوطات، من مختلف القوى المعارضة في المجتمع، أدت لتعديلات وتغييرات متعددة في مواد وبنود وصيغ القانون، انتهت بالحفاظ على مجانية التعليم، التي كانت تناضل من أجلها القوى اليسارية، غير أن مطلب التعريب، لم يستطع المطالبون به والمتمثلون في الإسلاميين والمحافظين، من انتزاعه، خاصة بعد تخلي الحزبين المذكورين، عن مواقفهما، وامتناعهما عن التصويت، مما ساعد في تمرير بند التناوب اللغوي.

وهكذا أنهت الفرق البرلمانية بمجلس النواب، الجدل القائم حول قانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، بالتوصل إلى صيغة توافقية، عالجت مجمل نقاط الخلاف التي كانت مطروحة بين الفرق البرلمانية، وأنهت الصراع حول لغات التدريس المواد العلمية والتقنية باللغات الأجنبية، بعدما تنازل فريق “البيجيدي” عن موقفه، وضغطت الفرق البرلمانية لإنهاء “التعاقد” في الصيغة القانونية، والتوصل إلى اتفاق يرمي إخراج القانون حيز التنفيذ.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *