المقاصــد «العلمانيــة»

افتضح وجه العلمانية الكالح المربد، وصارت مرفوضة ممجوجة في نفوس الناس منذ عقود. ولذلك صار ستر وجهها ببرقع رقيق يخفي ملامحه، أمر حياة أو موت لهذه العقيدة داخل أمة الإسلام.
وأفضل ما تتستر به العلمانية اليوم: المقاصدُ المعلمنة!
واحفظ الوصف جيدا، فإن من المقاصد ما هو شرعي مشروع، يتنافس فحول العلم في إثباته وتقريره. ولكن حمّلت موافقات الشاطبي -رحمه الله- ما لا تحتمل من أمراض العلمانية المهيمنة اليوم.
وقد سبق أن نقلنا عن بعضهم قولهم: إن السياسة من أمور الدنيا، وإذن فالدليل فيها إما من الاستصحاب -وقد سبق بيان ما فيه-، وإما من فقه المقاصد- وهذا أوان الكلام فيه!
يقولون: المقاصد التي ذكرها الأقدمون اجتهادية غير حاصرة. فما الذي يمنع اليوم أن نضيف مقاصد أخرى، كالمساواة والحرية والعدل والتنمية؟
وجوابنا: لا مانع من ذلك! الأمر اجتهادي غير توقيفي. ولكن بشرطين اثنين:
أولهما: تصحيح الاستدلال على أنها مقاصد معتبرة شرعا، وذلك عن طريق الاستقراء التفصيلي لفروع الشريعة.
والثاني: حصر مجالها الدلالي في المعنى الشرعي، وعدم التوسع لتشمل المعاني العلمانية المتسترة.
الذي يقع اليوم أن بعض الناس يأتون بأصل علماني معتبر، ثم يجدون له دليلا جزئيا أو بعض الأدلة من الشريعة، ثم يجعلونه مقصدا كليا يحاكمون إليه النصوص الجزئية!
فهذا قلب تام لطريقة البناء الاستدلالي!
فلا استقراء للفروع، ولا تخلص من الحمولة العلمانية الكامنة في الأصل الذي يراد جعله مقصدا شرعيا!
وأغلب هذه المقاصد التي يراد اليوم التسويق لها، كالحرية والمساواة مثلا، لم تنبع ابتداء من صميم البرهان الشرعي، وإنما فرضها الغرب المهيمن من ضمن المفاهيم «العالمية» التي فرضها على أمم الأرض، ثم أريد للشريعة أن تتلاءم معها!
وهذه المفاهيم/المقاصد مشبعة بحمولة علمانية، يعسر التخلص منها مع صدق الإرادة والحرص على البيان، فكيف مع الإيهام والإبهام، وألاعيب الكلام؟!
ومن العجائب أن المتكلمين اليوم في حِمى المقاصد المستباح، يختلفون كثيرا في هذه الأصول، فيضع كل واحد منها ما يلائم نظرته لما ينبغي أن يكون عليه الحال، مع قلة عناية بالبحث عن مقصود الشارع الحكيم.
فتجدهم عند ذكر المقاصد التي ينبغي مراعاتها في الميدان السياسي، يذكرون العدل والحرية والمساواة وحسن معاملة الأقليات، إلخ. وهي ألفاظ مستجلبة من معاجم السياسة الغربية العصرية، أريد لها أن تصبح مقاصد شرعية دون تكلف تخليصها من حمولتها العلمانية.
والطريف أنك لا تكاد تسمع مقصد: الحاكمية لله، أو السيادة للشريعة مثلا، مع كثرة ما يدل على هذا الأصل في نصوص الوحيين، وكلام أئمة الإسلام!
لكنها قطع الزجاج المتلألئة، التي يحجب لمعانُها بريقَ الجواهر الأصيلة!
وللكلام في التمييز بين البريقين، بقيّة تأتي إن شاء الله، عند تجدد الحاجة إلى ذلك.
والله الهادي إلى سواء السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *