حقيقة الاستغفار وفضله وثمرته

 

الاستغفار: طلب المغفرة.

قال الحافظ: “الاستغفار: استفعال من الغفران، وأصله: الغفر؛ وهو إلباس الشيء ما يصونه عما يدنسه؛ وتدنيس كل شيء بحسبه؛ والغفران من الله للعبد أن يصونه عن العذاب”. فتح الباري لابن حجر (11/ 103).

و”قد ورد في فضل الاستغفار أخبار خارجة عن الحصر؛ حتى قرن الله الاستغفار ببقاء الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}؛ فكان بعض الصحابة يقول: “كان لنا أمانان؛ ذهب أحدهما: وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا”[1].

من هنا جاء في الطريقة المحمدية الحث على الاستكثار منه:

من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر فيها من الاستغفار“. الضياء في “المختارة” / الصحيحة 2299

الإقلاع عن الذنب شرط في قبول الاستغفار:

قال الحافظ ابن حجر: “وقوله تعالى: {ولم يصروا على ما فعلوا}؛ فيه إشارة إلى أن من شرط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب؛ وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب”. فتح الباري لابن حجر (11/ 99).

وعن الفُضيل بن عباس رضي الله تعالى عنه: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين.

حقيقة الاستغفار الذي وردت نصوص الوحي في فضله:

قال الإمام الغزالي: “الِاسْتِغْفَارَ الَّذِي هُوَ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ هُوَ الِاسْتِغْفَارُ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْقَلْبِ فِيهِ شَرِكَةٌ؛ كَمَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَعَنْ رَأْسِ الْغَفْلَةِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَكَمَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ صِفَةَ النَّارِ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَثَّرَ بِهِ قَلْبُهُ.

وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مُجَرَّدِ حَرَكَةِ اللِّسَانِ؛ وَلَا جَدْوَى لَهُ؛ فَأَمَّا إِذَا انْضَافَ إِلَيْهِ تَضَرُّعُ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِهَالُهُ فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ عَنْ صِدْقِ إِرَادَةٍ وَخُلُوصِ نِيَّةٍ وَرَغْبَةٍ؛ فَهَذِهِ حَسَنَةٌ فِي نَفْسِهَا فَتَصْلُحُ لِأَنْ تُدْفَعَ بِهَا السَّيِّئَةُ.

وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الِاسْتِغْفَارِ”. إحياء علوم الدين (4/ 47).

من هنا: يمكن أن نقول: الاستغفار المحمود شرعا هو تحويل الانكسار إلى توبة؛ فالاستغفار يتضمن معنى التوبة:

قال القرطبي في المفهم: “يدل هذا الحديث[2] على عظم فائدة الاستغفار، وعلى عظم فضل الله تعالى وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه مقارنا للسان لينحل به عقدة الإصرار، ويحصل معه الندم، فهو ترجمة للتوبة، … لا من قال: “أستغفر الله بلسانه، وقلبه مصر على تلك المعصية، فهذا الذي استغفاره يحتاج للاستغفار”.

من هنا قال العلماء: التوبة التي يحب الله تعالى أهلها هي التي تتوفر في صاحبها الصفات التالية:

1 الإقلاع عن الذنب

2 الندم على فعل الذنب

3 العزم الصادق على عدم الرجوع إليه

ومن تمام الإقلاع والندم؛ أنه إذا تعلق به حق إنسان آخر فيجب أداء ذلك الحق.

فهذا هو مفهوم التوبة وحقيقة التائب؛ وما دام الإذناب حركة دائبة لا تنفك عن الوجود الإنساني؛ فلا بد من مقابلتها بحركة دائبة من التوبة؛ من هنا يتولد مفهوم: الإنسان التواب الذي يحبه الله تعالى.

 

[1]  إحياء علوم الدين (4/ 47).

[2]  عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: “أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك”، قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: «اعمل ما شئت». رواه مسلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *