ما وقع في شمال المغرب من دمار وقتل عمدي نتيجة العدوان الإسباني بالغازات السامة على السكان في إطار الحملة الاستعمارية التي استهدفت المغرب في سنوات العشرينيات من القرن الماضي، هو جريمة إبادة بشرية تندرج ضمن جرائم الحرب بكل مقاييسها وشروطها المادية والقانونية. وهو ما أكده بالمعطيات عدد محترم من الباحثين الإسبان أنفسهم لا ما نقوله نحن أبناء المغرب.
رغم التستر والصمت الذي يخيم على حيثيات هذا العدوان، ظهر عدد من الكتب والدراسات والأبحاث الأكاديمية في إسبانيا حول الموضوع على يد مؤرخين وباحثين إسبان أمثال “خوان باندو” و”ماريا روزا دي مادارياغا” و”كارلوس لازارو” و”أنخيل فيناس”؛ “جون مارك دي لوناي”، “روفير مورنو”..، التي اعتمدت في مقارباتها على الأرشيف التاريخي الإسباني، وحاولت في مجملها طرح الموضوع بشكل إنساني وبجرأة أكاديمية وموضوعية؛ بعيدا عن أي خلفيات واعتبارات سياسية أو إديولوجية.
وآخر ما كتب في الموضوع هو ما نشرته خلال هذا شهر يونيو الجاري، مجلة غيلمور هيلث نيوز التي حملت مسؤولية انتشار مرض السرطان بمنطقة الريف للغازات المحظورة دوليا، التي استعملتها اسبانيا لقصف الريف من طرف الجيش الإسباني، وذلك خلال حرب الريف 1921-1926. وقدمت المجلة تقرير يهم مجال تخصصها المرتبط بالصحة، تحت عنوان “جرائم الحرب: استخدام إسبانيا للأسلحة الكيماوية في شمال المغرب يكرس المعاناة”.
كما قدم تقرير المجلة، المسار التاريخي للحرب في شمال المغرب، وكل التجاوزات المقترفة من طرف إسبانيا في إطار حرب غير متكافئة، استعمل فيها المحظور والمباح، وكشف التقرير جرائم الحرب التي مارستها اسبانيا، خلال حرب الريف، والتي جمعت بين الإعدامات والاغتصاب والإخصاء، دون استثناء المدنيين والأطفال والنساء، وذلك باستخدام الأسلحة الكيماوية.
سجل تقرير المجلة أن اسبانيا استخدمت غاز الخردل وغيرها من الغازات الكيماوية التي لها تأثير على صحة الإنسان علي المدى البعيد، وذلك بعد الهزائم التي تلقتها من الريفيين، رغم بروتوكول جنيف الذي يحظر استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية أثناء النزاعات الدولية، واستمرت معاناة الريف جراء هذه الغازات، وعرف انتشار واسع لمرض السرطان بكل أنواعه.
وأمام هذه الحقائق مازالت إسبانيا لم تتحمل مسؤوليتها في ذلك ولم تتجرأ على الاعتراف يوما بدورها في هذه الجرائم التي تعد انتهاك في حق الساكنة وحقهم في الصحة في أفق تحقيق العدالة وجبر الضرر.
لم يكفي إسبانيا أنها دبرت إبادة في حق عشرات الآلاف من ساكنة شمال المغرب بالغازات وهي الدولة التي تطعن المغرب في الظهر في كل فرصة، عوض أن تحترم حدود سيادتها ومشاكلها الداخلية المتعلقة بالتنمية والديمقراطية، تتجرأ على المغرب في ملف الصحراء ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين وعدد كبير من الجزر المغربية التي احتلتها التي لا تريد أن تفتح فيها نقاشا جاد لإرجاعها للمغرب.
إسبانيا تريد من المغرب أن يخرج أنيابه ويبدأ فصول مرافعته الشرعية حول ضحايا حرب إسبانيا في شمال المغرب مثل الجارة الجزائر التي تحرج في كل لحظة المستعمر الفرنسي في نفس الملف. هي لا تريد من المغرب أن يكون الجار الند بل تريده الجار التابع، وهو ما لا تزكيه الشرعية التاريخية والسياسية لبلد كبير مثل المغرب.