تونس على صفيح ساخن.. منحى جديد للصراع بين النهضة وقيس سعيد إعداد: محمد زاوي

1- قبل الحدث

مرت على تونس عشر سنوات من الديمقراطية، أو من فوضى الديمقراطية في تحليل وقراءات العديد من المحللين السياسيين، تونسيين وغير تونسيين. عشر سنوات من الصراع بين رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي، من فوضى النقاش البرلماني، من تغيير الحكومات (عشر حكومات في ظرف عشر سنوات، بمعدل حكومة في السنة)… إلخ؛ عشر سنوات كان لا بد لها أن تفرز واقعا جديدا: إما فوضى عارمة وأكثر حدة، وإما تدارك النخبة مأزق ما بعد 2011، وإما يد من حديد تتحرك بمنطق أمر الواقع وبدعم داخلي وخارجي وبغير ضمانات واضحة.

لم يكن في قدر التونسيين أن تتجاوز النخبة السياسية مأزقها قبل فوات الأوان، فكان الانقلاب. تلك هي اليد الحديدية التي زعمت إرجاع تونس إلى سكتها، فما كان من مناقضيها إلا أن اتهموها بإعادة السلطوية إلى تونس والانقلاب على المسار الديمقراطي. ليس هذا التقرير محلا للتحيز إلى أحد طرفي الصراع داخل تونس، وإنما هو رصد للأحداث ومختلف المواقف التي تلت ما سمي في الإعلام ب”انقلاب تونس”.

 

2- إعلان قيس سعيد: قرارات مفاجئة

في مجلس جمعه بقيادات عسكرية وأمنية ومدنية، مساء يوم الأحد 25 يوليوز، أعلن رئيس جمهورية تونس قيس سعيد، على المباشر، قرارات ما أسماه “تصحيح المسار”، والتي تجلت في الإجراءات التالية:

– تجميد اختصاصات مجلس النواب ورفع الحصانة عن جميع أعضائه.

– إقالة رئيس الحومة هشام المشيشي.

– تولي رئاسة النيابة العامة.

– تولي السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة جديدة يعين رئيسَها.

وادعى قيس سعيد في كلمته، أن إجراءاته جاءت بعد “استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب”. وقال في بيان رئاسي، عقب الإعلان المصوّر، أنه “لم نكن نريد اللجوء للتدابير على الرغم من توفر الشروط الدستورية ولكن في المقابل الكثيرون شيمهم النفاق والغدر والسطو على حقوق الشعب، وأضاف: “أنبه الكثير الذين يفكرون في اللجوء للسلاح، ومن يطلق رصاصة ستجابهه القوات المسلحة بالرصاص”.

وللرد على الذين قد يدعون لا دستورية إجراءاته، قال: “إن الدستور لا يسمح بحل المجلس النيابي، لكن لا يقف مانعا أمام تجميد كل أعماله”، وأكد أن إجراءاته ليست “تعليقا للدستور ولا خروجا عن الشرعية الدستورية. نحن نعمل في إطار القانون”.

 

3-النهضة تنتفض على وقع الصدمة

وتوجه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس النواب، مرفوقا بنواب آخرين إلى مقر البرلمان، ابتداء من الساعة الثالثة من فجر يوم الإثنين. إلا أن القوات المسلحة منعتهم من الدخول، فقرر الغنوشي مسنودا بنواب من حزب النهضة تنفيذ اعتصام أمام البرلمان صبيحة يوم الإثنين. وكان الاعتصام فرصة لتبادل السباب والتراشق بالحجارة بين أنصار الغنوشي والنهضة من جهة، وأنصار قيس سعيد الذين تجمعوا بالمئات أمام المؤسسة النيابية من جهة أخرى.

واعتبر الغنوشي ما أقدم عليه رئيس الجمهورية “انقلابا على الثورة والدستور”، وقال في تصريح لقناة الجزيرة: “نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”.

وأضاف: “نعتبر مؤسسات الدولة التونسية الديمقراطية المنتخبة ما زالت قائمة، كمجلس النواب والحكومة وسائر المؤسسات”، وقال في ذات التصريح “ما حصل هو انقلاب على الدستور لأن الدستور في حالة الطوارئ نفسها يفرض أن يكون مجلس النواب في حالة انعقاد دائم ويمنع حل الحكومة في هذه الحالة”.

ونسجت حركة النهضة على منوال موقف رئيسها راشد الغنوشي، إذ جاء في بيان لها أنها تستغرب ما أقدم عليه قيس سعيد من خرقٍ للدستور وانقلاب على الثورة والديمقراطية، وأن تنصيبه نفسه قائدا للقوات المسلحة والحكومة والنيابة العمومية يعتبر “تعديا على النظام السياسي التونسي وصلاحيات رئيس الحكومة”. وانحازت هيئات سياسية أخرى لموقف حركة النهضة، أبرزها حزب قلب تونس وحزب الكرامة وحزب العمال اليساري وحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري وحزب التيار الديمقراطي (رغم تحميله أزمة تونس لحركة النهضة وائتلاف الكرامة، إلا أنه لا يوافق رئيس الجمهورية على التأويل الذي أعطاه للفصل 80 من الدستور). هذا، والتزمت هيئات أخرى الصمت، أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة نداء تونس (بالرغم من موقفها السلبي من حركة النهضة وحكومة المشيشي).

هذا، ولم تستمر حركة النهضة في تصعيدها، مستفيدة من تجارب سابقة للإسلاميين. وبادرت، يوم الثلاثاء، على لسان رئيسها راشد الغنوشي، إلى المطالبة بفتح الحوار وتوسيع دائرته تجاوزا للأزمة الاجتماعية والسياسية في تونس.

 

4- منصف المرزوقي: “قيس سعيد خرق الدستور وحنث بوعده”

واعتبر منصف المرزوقي، الرئيس الأسبق لتونس، في فيديو مباشر له، أن قرارات رئيس الجمهورية تشكل انقلابا مكتمل الأركان. وقال: “خلافاتنا السياسية على خطورتها كانت تعالج بوسائل سياسية بوسائل سلمية وهذا ربما انتهى الليلة، أقول ربما لأن ما زال عندي أمل بأن هذا الشعب لن يقبل ما وقع هذه الليلة…”.

وأضاف، في كلمته التي أعقبت بيان رئاسة الجمهورية، أن “ما وقع هذه الليلة هو قفزة جبارة إلى الوراء، يعني خرجنا من نادي الشعوب المتحضرة والمتقدمة إلى الدول المتخلفة التي الكثير منها للأسف دول عربية، الذي وقع الليلة هو انقلاب، لن نكذب على بعضنا، هذا الرجل خرق الدستور الذي أقسم على الدفاع عنه، هذا الرجل حنث بوعده…”، وطالب المرزوقي الشعب التونسي برفض هذه الخطوة النكوصية التي خطاها قيس سعيد، والتي لن تحل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية كما يزعم كثيرون، ولن تتضرر منها “النهضة” وحدها كما يرجو الناقمون عليها.

5- الصافي سعيد: “الرئيس ينقلب على نفسه”

وقال الصافي سعيد، المفكر والنائب البرلماني التونسي المعروف، أن “قيس سعيد انقلب على نفسه”، وأن قبول إجراءاته رهين بإعطاء ضمانات مقبولة لاستئناف الديمقراطية في البلاد.

وادعى ذات المتحدث، في برنامج إذاعي تونسي، أن راشد الغنوشي يقبل إجراءات قيس سعيد، ولكن بضمانات واضحة. وأضاف أن ما نفذه رئيس الجمهورية ليس انقلابا كاملا، وإنما هو نصف انقلاب جاء معبرا عن رغبة في إقالة رئيس الحكومة المشيشي.

وقال أن الانقلاب جاء مشوها في صيغته التونسية، وأنه لا يحق للرئيس اعتماد الفصل 80 من الدستور في غياب محكمة دستورية تبث في مدى دستورية القوانين والقرارات والتصرفات.

 

6- قيس سعيد: “قرارات الأحد مبنية على الفصل 80 من الدستور وليست انقلابا”

ونفى قيس سعيد، في اجتماع جمعه بزعماء هيئات سياسية تونسية، يوم الإثنين 24 يوليوز، أن يكون ما أقدم عليه انقلابا كما يدعي كثيرون.

وقال: “نفد الصبر بالرغم من التحذير تلو التحذير، وبلغ السيل الزبى. كنت أستطيع في العديد من المناسبات أن أختار أي شخص لتشكيل الحكومة وأعرف مسبقا أنه لا يحظى بثقة الأغلبية، كانت الإمكانية متاحة على الأقل في مناسبتين، لكنني احترمت المؤسسات واحترمت المقامات وكل الأشخاص دائما بنية صادقة تقوم على الصدق والوفاء بالعهود” (…) إلا أنه “كان هناك من يسعى إلى تفجير الدولة من الداخل”، ف”استشرى الفساد وصارت اللقاءات تتم مع من هم مطالبون للعدالة ومع من نهب ثروات الشعب التونسي. بأي حق؟ وبأي مقياس؟ كنت أعرف الكثير وأنا ملازم للصمت، لأنني آثرت أن أحترم المؤسسات كما جاء بها الدستور، وما زلت إلى حد اليوم متمسكا بالنص الدستوري”.

وعن الذين اتهموه بالانقلاب على الدستور، قال قيس سعيد: “تحدث البعض أمس عن انقلاب، لا أعرف في أي كلية حقوق أو علوم قانونية درسوا. كيف يمكن الانقلاب بناء على الدستور؟ هذا تطبيق لنص الدستور، والفصل 80 من الدستور منح رئيس الجمهورية الحق في اتخاذ التدابير التي يراها لازمة في حالة وجود خطر داهم”.

 

7- المواقف العربية والإسلامية: التباس وتباين

اتسمت مواقف الدول العربية والإسلامية بالتباين، بخصوص القرارات التي أقدم عليها قيس سعيد. فمن جهة، رفضت دولة تركيا والمجلس الأعلى الليبي تلك القرارات، واعتبراها “انقلابا على الدستور والديمقراطية”.

ومن جهة ثانية، اكتفت دول عربية أخرى بالدعوة إلى الحوار وتجاوز الأزمة، للحفاظ على استقرار وأمن الشعب التونسي، ودون السقوط في حالة من الفوضى والعنف. ومن أبرز هذه الدول، كانت السعودية وقطر والكويت والجزائر والمغرب وغيرها من الدولة والهيئات العربية.

ورغم احتفال شخصيات وصحف إماراتية بما أسمته “انقلاب قيم سعيد على إسلاميي تونس”، إلا أن الموقف الرسمي بقي ملتبسا في ظاهره، بل ومحايدا، بغض النظر عما يعتمل في سر العلاقات بينهم وبين قيس سعيد.

 

8-والإسلاميون على قلب رجل واحد حفاظا على معقلهم الأخير في الوطن العربي

وأجمعت أغلب الشخصيات والحركات والهيئات الإسلامية، بل كلها، على رفض ما أسمته انقلابا على “الثورة والديمقراطية” في تونس.

في هذا الصدد، قال عبد الرحيم الشيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية، في تصريح له على “عربي 21″، أنه يرفض الانقلاب على الديمقراطية في تونس، وأن “الخيار الديمقراطي الذي شهدته عدد من الدول العربية أصبح من الثوابت الجامعة للأمة”، ولذلك “يجب الحفاظ عليه وترسيخه، وعدم قبول وتبرير أي تراجع يمس هذا الخيار”.

وقال عبد الرزاق مقري رئيس “حمس” الجزائرية: “قيس سعيد يجر تونس والمنطقة إلى فتنة عظيمة بانقلابه على الديمقراطية”، وأضاف في تدوينة له على فيسبوك أن “القوى الدولية والحكام العرب الذين خططوا له ويسندونه، وكذلك التيارات العلمانية في تونس؛ يفضلون الفوضى على الديمقراطية، وهم كلهم في خدمة المشروع الصهيوني والاستعماري، والذين سيبقون على الحياد في تونس شركاء في الجريمة ويتحملون مسؤولية المآلات”.

واعتبر وصفي عاشور أبو زيد، المفكر الإخواني المصري المقيم في الدوحة، في مقال له أن ما يحدث في تونس نتيجة لـ”التغيير السطحي الذي تلا الثورات العربية”، فقد “سقطت رؤوس الأنظمة من غير تغيير حقيقي جذري، فظلت الدولة العميقة أو دولاب الدولة وجهازه كما هو، تسكنه الحيات والأفاعي تترقب لحظة الهدوء والاستجمام لتنقض مرة أخرى وتعيد الكرة لتستعيد مكانها ومكانتها؛ ضمانا لبقاء المصالح الشخصية في النهب والسلب والاستئثار بخيرات البلاد وحقوق العباد”.

لم يلتزم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الصمت، فتدخل كعادته كلما هُددت مصلحة من مصالح الإسلاميين في قطر من الأقطار العربية. وأفتى الاتحاد، في بيانه الصادر بتاريخ 26 يوليوز، بحرمة ما أسماه “الاعتداء على العقد الاجتماعي الذي تم بإرادة الشعب التونسي”، معتبرا ما أقدم عليه قيس سعيد “ثورة مضادة وانتكاسة وعودة إلى الوراء ومخالفة لإرادة الشعب الحرة وطلب للسلطة المطلقة”.

وأدانت هيئة علمائية أخرى، هي رابطة علماء المغرب العربي، ما أسمته “انقلاب قيس سعيد”. كما دعت في بيان لها، بتاريخ 26 يونيو، إلى: “التحلي بالعدل والحكمة وتجنيب الشعب التونسي الحبيب أتون الفتنة، احترام اختيارات الشعب وعدم الانجرار نحو الديكتاتورية، الوقوف يدا واحدة في وجه كل محاولات التفرقة والفتنة، حق الشعب التونسي في العيش بحرية وكرامة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *