كتابٌ عزيزٌ..

 

قال الله تعالى مهدّدا الذين يرفضون الاعتراف بحقيقة أن القرآن كلام الله؛ مع وضوح برهان هذه الحقيقة: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} [فصلت: 40، 41].

يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا: قال قتادة والسدي ومقاتل: “يُكذّبون بالآيات مُعانَدة”[1].

وقوله “لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا“: تهديد لمن ينازع في تلك الآيات، ويحاول إلقاء الشبهات فيها؛ فهؤلاء مهددون بالإلقاء في النار يوم القيامة؛ والمهدّدُ لا أمان له ولا اطمئنان.

والكفر بالقرآن يشمل إنكار كل ما يوصف به القرآن من دلائل كونه من عند الله.

كتاب عزيز: والعزيز النفيس، وأصله من العزة وهي المنعة؛ لأن الشيء النفيس يدافَع عنه ويُحمى عن النبذ؛ فإنه بيِّن الإتقان وعلو المعاني ووضوح الحجة، ومثل ذلك يكون عزيزا.

والعزيز أيضا: الذي يغلِب ولا يُغلب، وكذلك حجج القرآن[2].

قال الفخر الرازي[3]: “والعزيز له معنيان:

أحدهما: الغالب القاهر، والثاني: الذي لا يوجد نظيره؛

أما كون القرآن عزيزا بمعنى كونه غالبا؛ فالأمر كذلك لأنه بقوة حجته غلب على كل ما سواه.

وأما كونه عزيزا بمعنى عديم النظير فالأمر كذلك؛ لأن الأولين والآخرين عجزوا عن معارضته.

ثم قال تعالى: “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه“.

وفي معناه وجوهٌ عند علماء التفسير:

الوجه الأول: لا تكذبه الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل والزبور، ولا يجيء كتاب من بعده يكذبه.

الثاني: ما حَكَم القرآنُ بكونه حقا لا يصير باطلا، وما حكم بكونه باطلا لا يصير حقا.

الثالث: معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه.

والدليل عليه قوله: {وإنا له لحافظون} [الحجر:9].

فعلى هذا: الباطل هو الزيادة والنقصان.

الرابع: يحتمل أن يكون المراد أنه لا يوجد في المستقبل كتاب يمكن جعله معارضا له، ولم يوجد فيما تقدم كتاب يصلح جعله معارضا له.

الخامس: قال صاحب «الكشاف»: هذا تمثيل، والمقصود أن الباطل لا يتطرق إليه، ولا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتى يتصل إليه.

ثم قال تعالى: “تنزيل من حكيم حميد” أي حكيم في جميع أحواله وأفعاله، حميد إلى جميع خلقه بسبب كثرة نعمه؛ ولهذا السبب جعل: الحمد لله رب العالمين [الفاتحة: 2] فاتحة كلامه، وأخبر أن خاتمة كلام أهل الجنة هو قوله: الحمد لله رب العالمين [الزمر:75].

[1]  زاد المسير في علم التفسير (4/ 54).

[2]  التحرير والتنوير (24/ 308).

[3]  مفاتيح الغيب (27/ 568).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *