الجنس مقابل النقط، والأطفال نتاج الزنا، والأمهات من زنا، والإجهاض، والانتحار، والقمار والمخدرات وأخواتها، والسطو المسلح (لكريساج)، والطلاق، والتفكك الأسري، والدعارة، وانتشار الزنا، والتنصير، والإلحاد، وسب الله عز وجل، وسب الدين، وبيع لحم الخنزير وفشو استهلاك الخمور بين المغاربة المسلمين، وبيعها الواسع بينهم، وما ينتج عنها من قتل وجرح وتدمير للممتلكات والأموال.
كلها وغيرها عناوين للحالة الاجتماعية والسلوكية والتربوية والفكرية التي يعيشها الشعب المغرب المسلم.
هذه الحالة الخطيرة تعطينا معدلاتُ ظواهرها ومدى فُشوّها، نظرةً عن مستوى الأداء الحكومي السياسي والإداري، والنجاعة التشريعية، ومدى ملاءمة السياسة الحكومية مع متطلبات الحفاظ على هوية المجتمع المغرب.
وتوضح لنا مدى اهتمام أو تجاهل الفاعلين السياسيين لعملية علمنة المجتمع والدولة المغربيين، وارتباط ذلك بما ذكرناه من الموبقات والكوارث والظواهر الاجتماعية.
فالدولة إنما تكتسب شرعيتها وسبب وجودها من قدرتها على حماية المكونات الأساسية للمجتمع وصيانة مثله العليا وعقيدته التي يتفرع عنها مجموع الأسس التي يفترض أن تبني عليها الحكومة سياساتها العامة.
والمتابع للواقع المغربي يلحظ، دون صعوبة أو لبس، أن الدولة قد استسلمت كليا للنموذج الغربي خصوصا الليبرالي، الأمر الذي جعل الأسرة والقيم المجتمعية الإسلامية تتعرضان للقصف المستمر، حتى صار المغرب يعرف نفس المشاكل الأخلاقية والظواهر الاجتماعية التي يعرفها أيُّ مجتمع غربي يتبنى الرأسمالية في بُعدها الليبرالي المتوحش.
فما نعيشه في مملكتنا الشريفة هو عملية تطوير قسري للمجتمع والأسرة المغربيين، في اتجاه العلمنة الشاملة والتخلص من الأحكام الشرعية والأعراف، والاستعاضة عنها بأحكام قانونية وضعية تستجيب لضغوطات العلمانية الدولية، التي تمارسها على الدول الإسلامية من خلال مؤسساتها العابرة للقارات والتي تعمل منذ العديد من العقود على عولمة النموذج الغربي الليبرالي الرأسمالي المركنتيلي، هذه المنظمات التي ترفع شعارات الديمقراطية والحداثة وسمو المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، والتي تحتضن وتدعم وتوجه وتنسق مع جمعيات وطنية تشرب القائمون عليها مفهوم الغرب للكون والإنسان والحياة.
وغني عن التوضيح إبرازُ أن هذه المنظمات والجمعيات وما ارتبط بها من مؤسسات وبرامج تمثل في الحقيقة وعلى أرض الواقع الأدوات الفاعلة القوية التي تكسر كل الحواجز النفسية والعقدية لدى الأفراد والمجتمع.
وتستعين تلك المنظمات بالنفوذ والقوة الذي توفرها لها الأمم الخمسة المتحدة، هذه الدول التي يهمها تحطيم القيم والأسرة فهما من أقوى الحواجز التي تقف في وجه العولمة والنشاط التجاري الرأسمالي، الذي يرى في الإسلام العدو الأكبر والخصم الألد.
وما يهمنا في مناقشة هذا الأمر هو تسليط الضوء على من يتحمل المسؤولية في حماية الأسرة والدين والقيم.
فإذا كانت المسؤولية ملقاةً على عاتق الحكومة المغربية، فطبيعي أن يقع اللوم على كل وزير مقصر في حماية القيم من الهجومات التي يشنها العلمانيون انطلاقا من مؤسساتهم الجمعوية بدعاوى حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة وسمو المواثيق الدولية، والتي تروم تفتيت كل ما تبقى من الشريعة الإسلامية في منظومة القانون المغربية.
نفس المسؤولية يتحملها كل وزير في صيانة الأسرة من تفشي الموبقات بين أفرادها، فوزير الداخلية مسؤول عن تفشي الخمور بين الشباب وتيسير الحصول عليها، وبيعها بين المسلمين وهو الأمر الذي يخالف الشريعة ويخالف القانون. ووزير التعليم هو مسؤول عن تسرب المفاهيم العلمانية إلى مناهج التعليم، وفشو المجون وتعاطي المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية.
لكن في نظرنا أن المسؤول الأول عن حماية الأسرة والدين والقيم هو وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، لأن وزارته هي الوزارة الأهم في ممارسة اختصاصات إمارة المومنين، والتي ينيط بها الدستور حماية الملة والدين.
فسياسة وزير الأوقاف خلال 20 سنة الماضية، ارتكزت على أصلين كبيرين:
1- تحييد المساجد من الصراع بين العلمانية والإسلام، وإهماله للطغيان السياسي المتعلمن والمستهدف للأسرة ومنظومة القيم الإسلامية وإخضاعه للديني الشرعي.
2- صناعة إسلام مغربي مطاوعٍ للعلمانية قابل بالتعايش معها والخضوع لها، وإعطاء الشرعية لتصوراتها. وذلك انطلاقا من بعث الثوابت المغربية في التدين، لا من أجل التمكين لهذه الثوابت في إدارة الشأن العام وحماية المعتقد من هرطقات العلمانيين، وصيانة الأسرة من مفاهيم اللادينية التي تصادم المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وتصوف الجنيد، ولكن من أجل استعمال هذه الثوابت في محاربة التيارات الإسلامية وتعديل ما قامت بإحيائه من عقائد إسلامية وقيم شرعية، وتصورات إيمانية كانت هي الأساس في إدارة الحكم والثقافة والتعليم وتنظيم المجتمع في المغرب طيلة قرون مديدة، وذلك قبل نشوء الدولة الحديثة خلال مرحلة الاحتلال الفرنسي العلماني، الذي حرص على حماية الإسلام الشكلاني الخرافي الذي لا يتعارض مع سياسته الإمبريالية وخطته في إلحاق المغرب حضاريا واقتصاديا بفرنسا.
وهذان الأصلان استدعيا من السيد الوزير وضع تصورات وقوانين وضوابط ينبغي -حسب نظرته- أن تحكم أداء الخطيب والقيم الديني، بحيث ينال كل من خالف تلك التصورات والقوانين، التوبيخ والتهديد بالعزل، ومن لم ينصع ويخضع يضرب عنقه بسيف العزل.
ولعل آخر حالة توضح هذا الأمر جليا، هي حالة عزل الخطيب الكيس العاقل الهين اللين والمتسامح: الدكتور رشيد بنكيران المعروف باعتداله ووسطيته ورويته، عزله الوزير فقط لأنه خالف الصورة التي وضعها للقيم الديني، والذي يجب أن يكون خاضعا تابعا لا رأي له في سياسة الوزير مهما كانت فاشلة أو تعود بالنقض على الإسلام نفسه، أيْ أن يكون مثل الجندي الذي يتلقى الأوامر وينفذ دون مناقشة فلا رأي له ولا تعقيب ولا حق له في أن يطالب الوزير بشيء.
فالسيد الدكتور الخطيب رشيد بنكيران ذنبه الوحيد هو أنه طلب من السيد الوزير أن يفكر في استعادة المسجد لدوره الإرشادي والوعظي، بعد تعطيل هذا الدور لأكثر من سنتين في أكثر من 50 ألف مسجد؛ فلما فتحت الجامعات والنوادي وكل الأماكن العمومية وأصبحت تغص بروادها في كل أنشطتها، ارتأى السيد بنكيران أن يلتمس من وزير الأوقاف ليس فوق منبر المسجد، ولكن في حائطه الأزرق الذي يوفره “مارك” لكل من لا منبر له، فكان جزاؤه أن يعزل ويشطب عليه من سلك خطباء المساجد.
يا لها من جرأة!!
فحسب السيد الوزير القيم الديني كما أسلفنا هو مجرد عون سلطة تماما كما المقدم والشيخ في وزارة الداخلية، لا ينبغي أن يكون له رأي، عليه السمع والطاعة مع إلغاء أي حس نقدي يخالج جنانه.
وزارة الأوقاف بدل أن تضع خطة لحراسة الأسرة والقيم من خلال مؤسسة المسجد، نجدها تمنع وتعزل كل خطيب مفوه عليه إقبال من طرف عموم المغاربة، لتأثيرهم فيهم.
أنا لست أنتقد السيد أحمد التوفيق بصفته الشخصية، فليس بيني وبينه سوى الخير والإحسان، وإنما انتقادنا ينصب على الوزير بصفته شخصية عامة مكلفة وفق القوانين والدستور بتنفيذ اختصاصات إمارة المؤمنين.
لذا، فلنا الحق أن نسائله عما يتخذه من قرارات، وما يهمله من تدابير وملفات نرى أنها ستعبث بمستقبل المغرب وبدينه وهويته.
اليوم صرنا نسمع عن بث القضاء في حضانة طفل نتاج زرع حيوان منوي في رحم امرأة مغربية سحاقية، متزوجة من امرأة إفريقية كلاهما لها جنسية بلجيكيتان.
وصرنا نسمع عن مطالب بإلغاء عقوبة الزنا الوضعية وليس الشرعية، فالأخيرة ألغيت منذ قرن ونيف، ومعنى هذا المطلب هو الاستحلال الكامل لما حرم الله، والذي يعلم السيد الوزير قبل غيره حكمه في المذهب المالكي وعقيدة الأشعري وتصوف الجنيد.
لقد صار المغاربة يستهلكون أغلب ما ينتج ويستورد من الخمور ويتبايعونها بينهم، والسيد الوزير يعلم حكم هذا أيضا في المذهب والقانون المعطلين.
نحن لا نطالب بأن يقوم الوزير بتقمص شخصية المناضل الإسلامي الذي يحاربه في وزارته بالعزل والمنع من اعتلاء منابر المساجد والوعظ، وإنما نطالبه فقط بوضع سياسة لحماية الدين والقيم لها ارتباط حقيقي بالتغيير والإصلاح، لا أن تصبح مساجدنا وخطباؤها، مثل كنائس النصارى وقساوستها، خادمين للعلمانية والليبرالية، حتى صارا بعد قرنين ونصف من تاريخ الثورة الفرنسية العلمانية الحداثية، يجيزان عقد زواج اللواطيين والسحاقيات، الأمر الذي جعل كتابهم المقدس بعهديه القديم والجديد خارج التاريخ المعاصر والراهن وجزءا من ثقافة القرون الوسطى الأوربية.
وتبعهما المجتمع فصار عدد الأولاد الذين يولدون خارج عقد الزواج الشرعي وخارج مفهوم الأسرة، يفوق بكثير الأولاد الشرعيين.
كما استحل النصارى كل الموبقات من زنا ولواط وخمر ودعارة وخنزير، وذلك بعد قيادة أرباب المركنتيلية ورؤساء ومديرو الشركات الرأسمالية للدولة وإخضاع صوت الدين فيها.
نحن في المغرب بدون شك نمضي في هذا الاتجاه، فهل يحق لنا أن نغض الطرف ولا نحاور السيد الوزير؟ مطالبين إياه بوصفه يضطلع بمسؤوليته التي أوقف أجدادنا ثرواتهم من أجل أن يستمر الإسلام في قيادة الدولة، لا أن يصبح الإسلام مسوغا وحاميا للمفسدين من العلمانيين الذين يعادون الدين والشريعة والبخاري ومالكا والفقه علنا ودون اكتراث لا بدستور ولا بتاريخ ولا بإمارة المؤمنين.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.