مرة أخرى يخرج التيار العلماني بالمغرب مطالبا بالمساواة في الإرث عبر دعوته لمراجعة أحكام مدونة الأسرة.
ومع أن القضية محسومة قِبَلًا عند كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ويرضى بالشرع والقرآن والسنة حكما وفصلا فإن القوم لا يسأمون من التشويش والتشغيب والسباحة ضد تيار الاختيارات المغربية في التدين.
ولكي نضع القضية في نصابها الصحيح لابد من التنبيه على أن الخلاف بيننا وبين القوم ليس خلافا ضيقا منحصرا في مسألة أو اثنتين بل هو خلاف في منهج الحياة و(فلسفة الوجود).
فنحن نؤمن بأن الله هو ربنا وهذه الكلمة بما لها من الحمولة المعنوية الشرعية تعني أنه سبحانه وتعالى هو خالقنا ورازقنا ومالكنا والمدبر لأمورنا، ومادام سبحانه وتعالى كذلك؛ فنحن نأتمر بأمره وننتهي بنهيه ونقف عن حدوده ونتحاكم لشريعته، ونرى ذلك من لوازم الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.
وأننا سائرون إليه فمجاز المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
فحاكمية القرآن فوق كل حاكمية، وأحكامه التي فصلت المواريث بدقة متناهية لا تعلو عليها أحكام أبدا، لأنها من عند عليم خبير سبحانه وتعالى، فهو الخالق للبشر والعليم بما يصلحهم في معاشهم ومعادهم: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:13].
وهذا المعتقد من لوازم دستور المغرب الذي ينص على إسلامية الدولة، وقد قرره ملك البلاد حين قال يوما في افتتاح البرلمان: “إنني لا أحلل حراما ولا أحرم حلالا”.
إن الأمة المغربية أمة مسلمة لا تستطيع أن تتقدم بين يدي الله عز وجل ولا تستطيع أن تخالف أمره الواضح البين المحكم القطعي، الذي نصت عليه المدونة والذي قضى بأن للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإذا استحضرنا إسلامية الأمة المغربية ودستورها من جهة، واستحضرنا قطعية موضوع الإرث كما في الآية الكريمة؛ ما فائدة المطالبة بفتح نقاش في موضوع الإرث؟؟
فإن الشعب المغربي بكل أجياله وأطيافه قد يضعف ولكنه أبدا لا يقبل من يساومه على دينه أو يحارب شريعة ربه، ويطالب بمزيد من تغييب ما تبقى من أحكام القرآن الكريم.
فنطالب كل داع للمساواة بموقف صريح من قول الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} النساء11.
هذه الآية التي اختتمها الله عز وجل بقوله: (فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:11] للدلالة على أن الموضوع محسوم من قبل الله عز وجل وأنه لا يسوغ فيه اجتهاد ولا يقبل تغييرا، وأنه مقترن بصفتين من صفات الله عز وجل وهما: العلم والحكمة.
فتشريع الله المتعلق بالمواريث كما غيره منبعث من علم الله المطلق وحكمته البالغة، ولا يسعنا إلا أن نقول للمعترضين على هذا الحكم: أأنتم أعلم أم الله؟؟
بل كيف تواجهون قول الله عز وجل في آية بعدها: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء13-14].
فكيف يجرأ القوم على الحكم بعد حكم الله والقضاء بعد قضاء الله والاستدراك على الله سبحانه وتعالى، بل معارضة إرادته ومعاكسة شرعه، وبحسب المرء شرا أن يكون هذا حاله!!!
وإذا كان القانون الوضعي يمنع الاعتراض على أحكام القضاء أو معارضتها فكيف بقضاء الله الشرعي وحكمه القطعي الذي ارتضاه لعباده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد أعطى الله لكل ذي حق حقه، وقسم الميراث بالحكمة والعدل (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [يونس: 32].
إن المعارك الفكرية والسياسية اليوم بين العلمانيين ومن قد يوسمون بالمحافظين ممن يرفعون شعار الإسلام، هي معركة واحدة تُختصر في الانتماء للإسلام والتحاكم لشريعته.
ولهذا فالطرف الآخر هو نفسه، سواء تعلق الأمر بقضية الدعوة لتغيير أحكام الإرث الشرعية تحت شعار المساواة، أو الدعوة لشرعنة الشذوذ والتسيب الجنسي البهيمي تحت شعار توسيع الحريات الفردية، أو الدعوة لمنع الإعدام حتى للقتلة والمجرمين بزعم الدفاع عن الحق في الحياة..
لكنهم لا يريدون أن يستوعبوا أن المملكة المغربية مملكة دينية تُحكم بنظام إسلامي مؤسس على بيعة شرعية لأمير المؤمنين الذي يرث العرش العلوي فيه الذكر الأكبر؛ كما ينص على ذلك دستور المملكة.
وأكثر العلمانيين المغاربة اليوم؛ يتحاشون الحديث في هذا الموضوع، فقط لأنهم يعتقدون أن الوقت لم يحن بعد لإثارته، وأن الحديث حوله سيحول دون تحقيق مزيد من المكاسب، وإلا فلو صدقوا وتجردوا من التقية اللادينية التي لا تفارقهم، لوجدنا موضوع البيعة لا يختلف عندهم عما سبق، ولوجدناهم يضيفونه لمطالب الشذوذ وتغيير الإرث والإجهاض والإعدام والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وغيرها من المواضيع التي شذوا فيها عن الاختيار المغربي الشرعي والمجتمعي.