إن الهجوم على الجامع الصحيح للإمام البخاري، أصح الكتب بعد كتاب الله، لا يكاد يتوقف، بل يتقاسم العلمانيون الأدوار والحصص زمانيا ومكانيا، وطريقة ومنهجا، لكن الخيط الناظم بينهم هو إسقاط البخاري وصحيحه، فلماذا هذه الاستماتة والتكالب المحموم على هذا الكتاب، الذي تعجز منهجياتهم الغربية على الظفر بمثله، ولماذا الهجوم على مؤلفه البخاري رحمه الله؟ ولماذا يعادونه هذا العداء؟
فمن المعلوم أن الإمام البخاري لم يخترع علم الحديث، وليس هو واضعه، بل كان علم الحديث والسنة النبوية قائما بذاته، وبمصنفاته، وعلمائه، ومبادئه.
ولم يجمع البخاري رحمه الله في صحيحه كلامه هو، بل جمع فيه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم ينفرد برواية هذه الأحاديث، بعبارة أخرى أن البخاري لو لم يؤلف صحيحه كانت الأحاديث ستصل إلينا، عبر علماء ومؤلفات أخرى. كما لم يكن لديه أي تحيز فكري أو سياسي كما هو حال الطغمة الحاقدة عليه وعلى صحيحه.
وقد ثبت عن الإمام الشافعي أنه كان يقول عن موطأ الإمام مالك، إمام مذهب المغاربة، أنه أصح الكتب بعد كتاب الله، وهذا كان قبل ولادة البخاري فلماذا الهجوم على البخاري بالذات؟
إن البخاري لم يقصد الناس عند تأليف صحيحه ويقول مخاطبا لهم: إن كتابي هذا هو أصح كتاب بعد كتاب الله، ولكن وهنا مربط الفرس، هي شهادة من أهل الاختصاص ممن عاصروه وممن جاءوا بعده، ولا يملك الإمام البخاري أية سلطة للتأثير على هذه الشهادات.
كما أنه ليس من المعقول، أن نشكك في طبيب أجازه الأطباء، ولا فلكي، ولا رياضي، ولا فيزيائي، شهد له أهل التخصص، ثم يأتي من لا يفقه شيئا في علمهم فيبطل شهادتهم في بعضهم البعض، بحجة أنه يجوز أن نشكّك في أي شيء، وأن هؤلاء الاختصاصيين ليسوا معصومين ولا مقدّسين؟
إننا أمام غباء وجهل طافح لا يمس البخاري وحده، وإنما يربك المفاهيم، ويضرب القواعد العلمية المتعارف عليها في كل علم من العلوم، بحيث يناقش العلم بالجهل، وتطرح القواعد المنهجية بالشهوات الفكرية العبثية منها والفوضوية، فهؤلاء كما يقال يتكلمون في كل شيء، ويفهمون كل شيء، فلا حدود لجهلهم وعبثهم.
إن هجومهم على صحيح البخاري، هو محاولة لإفقاد الأمة الإسلامية ثقتها في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، لأن سنته ما هي إلا تطبيق عملي في شتى المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، وطعنهم في البخاري طعن في المعيارية الاعتبارية التي تقاس عليها كل المستجدات على مر العصور والأزمان، وهذا ضرب في الإسلام ومعياريته التي يجب أن يتحاكم إليه كل المسلم، وفي كل القضايا، بدل المعايير العلمانية التي وضعها الفكر الغربي، وهذا ما يصيب العلمانيين بالجنون، فيتكلمون فيما لا يحسنون فيأتون بالعجائب.