إن سؤال الدين في بنية الدولة بالمغرب هو سؤال لم يكن مطروحا في مغرب ما قبل الاستعمار، فهذا السؤال له علاقة وطيدة بظروف ما بعد الاستقلال، بعبارة أخرى فهو سؤال لا ماضي له.
فمغرب ما قبل الحماية كان دولة تترابط فيها كل المجالات الاجتماعية والثقافية، والسياسية، والعلمية، والقضائية، بالشريعة الإسلامية.
فالدين كان ركيزة من ركائز وجود الدولة المغربية، فلا دولة بدون دين، ولا دين بدون دولة، فالسلطان هو أمير المؤمنين يجمع بين الديني والسياسي، بين الشرعي والدنيوي، هذا هو حال المغرب قبل الغزو العلماني الفرنسي الذي حاول جاهدا طمس، وتغيير هذه الثوابت التي توارثها المغاربة أبا عن جد منذ دخول الإسلام إلى هذه الأرض.
على خلاف النسيج المجتمعي الذي كان محافظا على تدينه الشعبي بصفة عامة، رغم بعض الشذوذات التي تأثرت بثقافة الوافد الجديد، وسحر العلمانية الفرنسية، فعلاقة الدولة المغربية بالدين كانت تديرها الحكومة الفرنسية، فهي الآمر الناهي، وهي التي كانت تصدر القوانين، وتسن التشريعات، الموافقة لهواها العلماني، كسماحها ببيع الخمور، وافتتاح دور القمار، ومواخير الدعارة، وغيرها من التشريعات التي كانت الشمطاء الفرنسية تحاول من خلالها مسخ الشخصية المغربية المعروفة في التاريخ بكل حمولتها الدينية والثقافية والاجتماعية العتيدة، فكان محمد الخامس رحمه الله بخلاف الدولة التي كانت تمتلها السلطة الفرنسية الغاشمة، يدفع بالدعوة السلفية لمقارعة الفساد الفرنسي، ومواجهته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متحديا بذلك العدو الفرنسي الذي كان متحكما في زمام الأمور وكان الحاكم الفعلي للبلاد.
كما يمكن أن نلاحظ أن هذا التأثير ظل قويا زمن الاستقلال حيث كانت الدولة المغربية حديثة عهد به، مع وجود مجموعة ممن يدير دواليب الدولة لا يزالون يدينون بالولاء لفرنسا، لكن القدر لم يسعف محمد الخامس رحمه الله في وضع تصور كامل لوظيفة الملك الدينية، ولم يتم تنظيمها بشكل كاف، ولا دسترتها كما هو عليه الحال الآن، ولم يكن وصف الملك بأمير المؤمنين دارجا في الخطاب السياسي المغربي، حتى تقلد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله مقاليد البلاد.
ولتتضح الصورة أكثر لهذه الحقبة الحرجة نورد مقتطفا من رسالة الزعيم علال الفاسي قدمها للملك حين تعيينه وزيرا للدولة مكلفا بالشؤون الإسلامية: “الهدف السامي الذي ترمون إليه من تأسيس هذه الوزارة والمهمات العظيمة التي تنيطونها بها، وقد عرفت أن أهم ما تعملون له جلالتكم هو بناء الثقافة الإسلامية من جهة، وإحياء المنظمات الإسلامية من جهة أخرى… ولقد علمت رغبة جلالتكم في السير على النهج الذي خطه جلالة والدكم المقدس محمد الخامس رضي الله عنه حينما أسند منذ أول عهده حركة البعث الإسلامي التي تجلت في الدعوة السلفية الحق الداعية إلى تطهير الدين وتقوية مظاهره وانعاش مساجده ومعاهده والدعوة إلى التمسك بأخلاقه وتشجيع ما دعا إليه من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر الذين هما دعامة التكافل الإنساني والضمان الاجتماعي”. من رسالة للزعيم علال الفاسي إلى العاهل المغربي الحسن الثاني في دجنبر 1961، نشرت في الجريدة الرسمية للمملكة عدد 2566، 29 دجنبر 1961، ص: 3338.
وقد طفح إلى السطح مجددا الطموح العلمانوفرنسي عند إعداد دستور 2011، وعاد موضوع علاقة الدين بالدولة للنقاش العمومي، وكشر العلمانيون عن أنيابهم، وأظهروا عبوديتهم للمرجعيات الدولية على حساب الشريعة الربانية، وبعد جدل كبير، تم إعادة ديباجة الدستور بالتأكيد على إسلامية الدولة من خلال الإقرار بأن المغرب دولة إسلامية، وأن الدين الإسلامي يتبوأ الصدارة في الهوية المغربية.
وفي فتوى للمجلس العلمي أعلى عن المصالح المرسلة جاء فيها: “إن القول بانفصال الديني عن السياسي في طبيعة الدولة يوقع في إشكال منهجي ويورط في عجز حقيقي عن تحليل الوقائع تحليلا موضوعيا”.
ويؤكد هذا قول الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله: “الفرق بين الدين والدولة غير موجود، فالحكومة علماء، والعلماء حكومة، واليوم الذي تفرق فيه دولة إسلامية بين دينها ودنياها فلنصل عليها صلاة الجنازة مسبقا”.