1ــ يعيش المغرب اليوم وضعية إجهاد مائي، هل الأمر متعلق بتغيرات مناخية أم بفشل سياسات قطاعية في هذا المجال؟
صحيح المغرب الآن يعيش وضعية إجهاد مائي، تصاعدت حدتها خلال السنوات الأخيرة وميزها تراجع كبير على مستوى تساقطات الواردات المائية وهذا الأمر يتعلق بظاهرة طبيعية صرفة وهي ظاهرة التغيرات المناخية التي لم تمس فقط المغرب، وإنما شمال افريقيا والمجال المتوسطي شمالا وجنوبا، وتأثيراتها برزت بشكل كبير في المجال المتوسطي الذي ينتمي إليه المغرب. نقص التساقطات وتوالي سنوات الجفاف لم يكن النتيجة الوحيدة لما حدث، وإنما ارتفاع درجات الحرارة والتي تتجاوز أحيانا 40 درجة، ونفس الشيء حصل في أوروبا، اذن نحن نعيش ظاهرة استثنائية وبحدة متصاعدة أثرت بشكل جلي على الموارد المائية المغربية سواء منها السطحية المتمثلة في السدود، اذ انخفضت نسبة ملئها إلى 30 بالمائة، وهي نسبة مقلقلة.
2ــ اليوم عدد من المدن تعيش انقطاعات متكررة للماء يوميا، والحكومة تعد بحلول جذرية مثل الربط بين الأحواض أو تحلية مياه البحر، هل هذه الحلول كفيلة بحل مشكل الماء بالمدن؟
ففعلا من خلال عدة تصريحات وفي مقدمتها تصريح وزير التجهيز والماء، الذي أشار إلى الإشكالات التي تواكب تزويد بعض المدن والقرى بالمياه الصالحة للشرب، إما تكون فيها انقطاعات أو يتم تقليص الصبيب أو أنه في بعض فترات الذروة يكون هنالك صبيب غير كافي والأمر يتطلب تظافر جهود الجميع بما فيهم المستهلكين.
المغرب شرع في السنوات الأخيرة أطلق برنامجا وطنيا للماء لتوفير كل من مياه الشرب ومياه السقي والعلامات الفارقة في هذا البرنامج هي أولا محطات تحلية مياه البحر والتي كانت في أقاليمنا الجنوبية لكن بطاقة استيعابية قليلة والمحطات الكبرى التي شرعت عمليا في التزويد بمدينة أكادير. وهناك أيضا أكبر محطة لتحلية مياه البحر في افريقيا ستم انجازها بالدار البيضاء، وهناك تقدم في نسبة الإنجاز، وستقام محطات أخرى تصل لـ20 محطة قبل 2030، خاصة بالجهة الشرقية.
الإجراء الآخر، هو الربط بين الأحواض المائية، بين حوض سبو وحوض أبي رقراق، التي وصلت فيه نسبة الإنجاز 99 بالمائة وربما في شهر غشت سيشرع في العمل، وسيتم الربط كذلك مع حوض أم الربيع ثم حوض تنسيفت، وهي عملية تضمن نقل الماء من مناطق الخصاص إلى مناطق الوفرة النسبية لضمان تزويد ملايين المواطنيين بالماء الصالح للشرب في المدن الكبرى.
بطبيعة الحال المغرب حباه الله بواجهتين بحريتين، ومحطات تحلية مياه البحر ستساهم على الأقل في حل مشكل التزود بمياه الشرب في المدن الكبرى. هناك أيضا محطات لتحلية المياه المرتفعة الملوحة بالداخل وعملية الربط بين الأحواض وبناء السدود التلية، لكن ينبغي العمل على اقتصاد الماء، عبر السقي بالتنقيط والحد من الزراعات المستنزفة للماء، وتسريع وتيرة إنجاز المشاريع لأن هذه المحطات كان يجب أن تكون الآن منجَزة.
3ــ أمام التغيرات المناخية التي يعيشها العالم، المغرب استعد بالسدود لكن ظاهرة التوحل تقضي على كل الجهود المبذولة، ما هو التدبير الأمثل للمياه الذي يجب أن يتبعه المغرب في نظركم؟
سياسة السدود الآن المغرب ربما أكمل حصيلة قرن من بداية أول السدود، وبشكل استباقي عجل الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله بإنجاز عدة سدود، ونفس الشيء مع الملك محمد السادس الذي أولى عناية كبيرة لسياسة السدود، والمغرب لازال مستمرا في هذه السياسة سواء السدود الكبرى أو السدود التلية، علينا أن نعترف أن هذه السدود بفضل الله تعالى أوصلتنا إلى سقي مليون و500 ألف هكتار وتوفير نسب متقدمة من الأمن الغذائي في مجموعة من المنتجات منها الخضر واللحوم والفواكه وأيضا تزويد المدن بالماء الصالح للشرب، ولكن ينبغي أن نعترف أن هذه السدود اليوم تواجه تحديات كبرى أولا تراجع الموارد المائية وبالتالي نسبة الملء 30 بالمائة، وهي نسبة محدودة، وظاهرة التبخر الشديد، وبالتالي حماية السدود من هذه الظاهرة، وظاهرة التوحل بتزايد منقولات من العالية نحو السافلة يؤدي إلى ارتفاع نسبة التوحل ما ينقص القدرة التخزينية للسدود بل إن بعض السدود فقدت 50 بالمائة من القدرة التخزينية، ما يفرض مراجعة هذه السياسة ببرامج تكميلية أخرى كمحطات تحلية مياه البحر، ومعالجة المياه المستعملة، واقتصاد الماء في الري والسقي، والعودة لبعض طرق التخزين التقليدية كنظام الخطارات بالجنوب الشرقي والمطفيات والتخزين تحت أرضي، مثلا اليابان هناك سد تحت أرضي مدفون، ووضع بعض المواد التي تقاوم تبخر الماء، وصيانة قنوات المياه بسبب تقادمها لوقف نسب الهدر، وحماية فرشتنا المائية الجوفية بمراجعة خريطتنا الفلاحية بتقليص الزراعات المستنزفة للمياه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* خبير في الجغرافيا وأستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط