استأنست كثيرا بقصة رواها لي أحد الغيورين على حِمَى العقيدة، الرافضين لمشاريع تلويث مصادر حياة أرواحنا، ذلك أن خليفة من خلفاء المسلمين كان همُّه التقريب بين أهل السنة وأهل الرفض والتشيع، -والقصد في دائرة البراءة ولا شك- فأشار عليه أحد وزرائه: “أن اعقد للطرفين مناظرة في صيوان دسكرتك يُميَّز فيها الرُّشد عن الغي والحق عن الباطل” فاستدعى الخليفة من الحانة “العلمية” للشيعة “الآية” واحد و”الآية” اثنين و”الآية” ثلاثة، وفي الجانب الآخر من فسطاط الحق، ترك الأمر في الثلاثة مفتوحا فضفاضا، فكان أن حضر أهل الولاية والرفض وتلك عوائد الباطل من حظوظ الجرأة والعجلة والظهور، وبينما القوم مزهوون بهذا السبق إذ لاح في الأفق القريب عالم من علماء السنة حافي القدمين يتأبط نعله في ذعر، فناداه الحاجب: “من الذي حملك أن تتأبط نعلك وواجب الاحترام أن تتركه عند الباب”، فرد عليه: “إني سمعت يا سيدي أنه من عوائد الشيعة أيام رسول الله سرقة نعال الناس”، فما كاد يتم كلامه حتى باغثه أحدهم: “كذبت وهل كان الشيعة أيام رسول الله؟” وهنا رد عليه: “صدقت لم يكونوا -أي الشيعة- يومها وهم كذلك اليوم غير كائنين”، فبُهت الرافضي وانفض المجلس..! فكيف صار لهم اليوم وجود وكينونة وصار لصوتهم دوي وقعقعات، بل صار مشروع تقريبهم والوحدة معهم موضوع رسائل لنيل الدكتوراه، وصارت صحفنا ومنابرنا مطية للكثير من الأقلام والأفواه التي تلوك علكة الرفض، وما صاحب “أكثر أبو هريرة” بالبعيد عن أبنائنا تلقينا واختبارا..
فعذرا رسول الله عذرا من هذه السهام المارقة من قسي الذين ودُّوا أن تكون مثلهم فنصبح سواء، وعذرا إذا ضاعت وصيتك بين أوراق مبعثرة قال أصحابها أنها حبلى بالنقد البناء والحياد الخلاق، وكذبوا وكان من أمرهم أن صاروا مغنما وسبيا لصاحب كل عمامة سوداء وتقية بتراء، عذرا أيها الصادق الأمين إن خالف بعضنا أمرك ولم يحفظ قولك: “لا تسبوا أصحابي فَوَ الَّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه”.
هذا وإذا كان القرآن قد تناول قضية الوحدة بأسلوب تأكيدي لا يملك معه المسلم الغيور على حمى الدين وصَرْح الإسلام إلا السمع والطاعة والعمل الدؤوب الصادق على تحقيق أمر الله القائل عز وجل: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً”، والوحدة في الاصطلاح هي جمع آحاد الأمة وجعلهم جماعة متجانسة ومتوادة ومتراحمة، والجماعة من الجمع وهو ضمُّ الشيء إلى مثيله بتقريب بعضه من بعض على أسس عقائدية سليمة لا مدخل للون ولا العرف ولا الدم بأي اعتبار، فأين هذا من أولئك الذي لا يتورعون في سبيل إقامة صرح هذا المشروع الوحدوي عن الدعوة ليلا ونهارا سرا وجهارا إلى ضم الشيء إلى نقيضه وجمع الفرع إلى غير أصله ونحن نسأل: هل وادع الحوت الضب وهل جانس الزيت الماء وهل ساكن الإخلاص في قلب العبد العجب والمدح والطمع؟!
إننا وإن كنا نعلم وبيقين أن الكثير ممن يتربصون بنا الدوائر يهمهم أن تكون أمتنا مشتتة الأوصال يضرب بعضها رقاب بعض ونعلم أن ضياع هذه الوحدة هو العون الأكبر لهم على بسط نفوذهم، وغرس خناجر غدرهم، ونعلم أنهم في سبيل الفرقة والتداعي ينفقون الغالي والنفيس بأيمان سخية وصدور ملأى بالبغض والضغينة، ولكن هذا العلم وهذا اليقين لا ينهض حجة لتسويغ وتمرير هذا المشروع البغيض، ونحن إذ نقر بهذا لا نرمي بالكلام على عواهنه، إنما حسبنا ونحن في هذا مسبوقين بالكثير عددا وعدة وحسنا وبهاء، والحمد لله الذي ملأ سماء الإسلام حرسا وشهبا، وقيَّض لكل شيطان مارد شهابا رصدا، فحسبنا بعد هذه المنة أن نصدع بالحق المشفوع بالغيرة التي تلوي الأعناق وتأخذ بالنواصي، ونبدأ بمصدرنا الأول قرآن ربنا فهو عند الرافضة تقية يتعبدون به وضرورة يتلون آياته وذلك في انتظار “قرآن فاطمة” الذي ذهب به مهدي السرداب.. وهو إذا ما خالف معتقداتهم يسارعون إلى تحريفه وتأويله تأويلا يتفق مع مجوسيتهم التي أخمد الإسلام نارها حينا من الدهر.. وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد تلقى -في اعتقادهم- الرسالة بالخطأ إذ الأصل فيها نزولها على علي كرم الله وجهه، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، ولذلك رموا حبيبته أمَّنا عائشة الطاهرة المبرأة من رب الأرض السماوات، وتأمل أخي كم في هذا الطعن من صنوف الاتهام وألوان القذف في شخص صاحب العصمة عليه الصلاة والسلام، ثم انظر كم هو أدهى من رمي الكفار له بالكهانة والشعر والجنون، كيف لا وربنا يقول: “الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ” وأما الصحابة فهم عندهم قد كفروا ونكثوا غزلهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنهم لم يدخلوا الإسلام حتى يخرجوا منه ولكنهم أسلموا رغبة وتأسلموا طمعا في جاه رسول الله وعاشوا معه مصرين على توشح النفاق وترشح الشقاق..
فانظر أخي عافاك الله إلى كتاب ربنا وسنة نبينا وتراث سلفنا كيف صار هباء منثورا، واعلم أن الطعن في الناقل طعن في المنقول ولا عجب في ذلك فقد خرج التشيع من رحم اليهودية وصلب ابن السوداء السبئي الحاقد..
ولكن العجب كل العجب في هؤلاء الأشباح حملة مشاريع الوحدة الملغومة الذين تخرجوا من جامعة اسمها التلفزة والتي صنع إعلامها في عقول العاجزين الجاهلين مللا ونحلا تتناسب مع ما هم فيه من ذل ووهن، حتى صار ضابط الانتساب عندهم الصدع بـ”لا” أمام الامبريالية “الصهيو-أمريكية” وهذا النوع من الصدع مطلوب محمود لكنه حينما يصير معيارا وحيدا معزولا عن الضوابط الشرعية للولاء والبراء يصير حينها “حزب اللات” “ونصر اللات” حزب الله ونصر الله ويصير “كاسترو” و”تشافيز” ومن قبلهم هتلر أولياء صالحين ومقربين محسنين، بل يصير الفوز على عدونا في مقابلة لكرة القدم فتحا مبينا ونصرا تليدا، وتمكينا في الأرض يرد للأمة شرفها الذي اغتصب ومجدها الذي ضاع بين ضوضاء المكاء وغوغاء التصدية تمكينا لا نملك في ظل سرابه إلا أن نسترجع ونحوقل ونشكي أمر ذلِّنا إلى رب العزة والجبروت فإليه المشتكى وعليه التكلان.