مصطلح حرية الاعتقاد لقيط غربي أراد بعض المفكرين من المسلمين أن تتبناه الشريعة الإسلامية فأدخلوه فيها قسرا، وسأتناول في هذه المقالة استدلالات المفكرين المسلمين على حرية الاعتقاد في الإسلام إجمالا؛ لأن مساحة المقالة لا تسمح بالتفصيل، وأبدأ قبل ذلك -لبيان تهافت فكرة حرية الاعتقاد- بعرض القيود عليها عند القائلين بها؛ لإثبات الاضطراب الكبير بين من يقولون بها، ومن أقحموها في الإسلام، ومعلوم أن كثرة الاختلاف والاضطراب في ضبط أي فكرة يدل على تهافتها وضعف إثباتها.
التقييد الدولي لحرية الاعتقاد
في المادة (18) فقرة (3) من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد عام 1966، ما نصه: لا يمكن لحرية إظهار الدين أو القناعات أن تكون مقيدة إلا بالقيود التي يضعها القانون، والتي هي ضرورية لحماية الأمن والنظام والصحة العامة أو لحماية الأخلاق والحريات والحقوق الأساسية للآخرين(1)، وجاء نحو ذلك في الفقرة (2) من المادة (9) من المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان(2)، أما في الميثاق الأفريقي فهي مقيدة بالمحافظة على النظام العام(3).
فالفكر الغربي في حرية الاعتقاد يرفض أي وصاية دينية على تلك الحرية، ولو اجتمعت عليها الشرائع الصحيحة مع المحرفة، ويجعل الوصاية عليها للأهواء البشرية في قيود فضفاضة تجعل السياسي الغربي يتمتع باستخدامها ضد من يشاء، ويُخرج منها من يشاء، فهي قيود تتمثل في “حماية الأمن والنظام والصحة العامة، أو حماية الأخلاق والحريات والحقوق الأساسية للآخرين”.
فمن يضبط هذه القيود الفضفاضة؟ ومن يضع حدودها؟
إذن فالفكرة الغربية في حرية الاعتقاد تتلخص في رفض تدخل الشرائع الربانية في تقييدها، وإحالة التقييد على الأهواء البشرية، وليس كل البشر يشاركون بأهوائهم في هذا التقييد، بل هو حكر على المُشَرِّع الغربي العنصري الذي يملك الحقيقة المطلقة دون سائر البشر.
وتنص أغلب الدساتير العربية على حرية الاعتقاد الديني وحرية ممارسة شعائر الأديان شريطة ألا تتعارض مع النظام العام والآداب في الدولة(4).
وهذا القيد فضفاض كما هو شأن القيود الغربية، فيمكن أن يُجعل ما ورد من أحكام الإسلام داخلاً ضمن النظام العام الذي تقيد به حرية الاعتقاد، وحينئذ تفقد حرية الاعتقاد حقيقتها الغربية، ويصبح تقريرها من لغو الكلام؛ ويمكن أن تكون الدولة علمانية لا تأبه بأحكام الشريعة، وتكون القيود لمصلحة النظام السياسي، بل قد يُمنع من الشعائر الإسلامية الظاهرة بحجة هذا القيد كما منع الحجاب في تركيا إبان سيطرة الأتاتوركية الاستئصالية على القرار فيها، وهكذا مُنع النقاب في تونس وسوريا قبل الربيع العربي، وتمت مضايقة المنتقبات في مصر، وهناك توجه دولي عربي -بعد تأزمهم من انتشار الإسلام- للسطو على الشعائر الظاهرة للإسلام بدء بالنقاب.
أما المفكرون المسلمون الذين تلقفوا اللقيط الغربي ليدخلوه في التشريع الإسلامي بالقوة، فقد اضطربوا اضطرابا كبيرا في القيود على حرية الاعتقاد، وهذا الاضطراب يدل على عسف في إدخال هذا اللقيط الغربي في التشريع الإسلامي؛ إذ لو كان من الإسلام لكان منضبطا لا مضطربا، ويمكن تقسيم الاتجاهات الفكرية الإسلامية في تقييد حرية الاعتقاد إلى اتجاهين:
– الاتجاه الأول: نص أصحابه على إطلاق حرية الاعتقاد، وزعموا عدم وجود قيود عليها، ومن الأمثلة على هذا الاتجاه:
1- قول نخبة من أساتذة القانون في مصر: “حرية الدين مطلقة لا يرد عليها أي قيد… فللإنسان أن يؤمن بأي دين سماوي أو غير سماوي، وله أن يكون ملحداً أو كافراً، يقول سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256) ويقول جل شأنه: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29)”(5).
2- ويقول أحمد الحاضري: “إن حرية الإنسان تقتضي عدم وضع قيد على هذه الحرية، وعدم إكراه الإنسان بأي نوع من أنواع الإكراه”(6).
3- ويقول كريم كشاكش: “يقصد بحرية العقيدة الدينية أن الشريعة الإسلامية تكفل لكل فرد في الدولة أن يعتنق أي دين يشاء، وأن يقيم شعائر دينه بحرية تامة”(7).
وبطلان هذه التقريرات شرعا أظهر من أن يناقش، ومخترعو حرية الاعتقاد من ملاحدة الغرب لم يجعلوها بلا قيود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مدخل تاريخي لدراسة حقوق الإنسان، ص: 258-259.
2- المصدر السابق، ص: 118.
3- الحماية الدولية لحقوق الإنسان، نصوص ووثائق، ص: 170.
4- الحقوق والحريات والواجبات العامة في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي مع المقارنة بالدستور المصري، ص: 75.
5- حقوق الإنسان وطرق حمايتها في القوانين المحلية والدولية، ص: 180.
6- الحرية منهج الإسلام وتشريعه، ص: 91.
7- الحريات العامة في الأنظمة السياسية، ص: 262.