تمخضت الساحة السياسية المغربية في السنة الأخيرة لترزق بسقط خداج من صلب رجل كان بالأمس القريب يقطن وزارة الداخلية، ثم رحل منها ليدخل معترك التجربة السياسية وتجربة الأحزاب التي تعمل على تأطير مكونات اللعبة الحكومية، وهذا الحزب يذكرنا بتجربة الحزب الأزرق (التجمع الوطني للأحرار) في أواخر القرن الماضي، ومن دلائل التوافق المنهجي بين هذين الحزبين أن كوّنا في الأيام الأخيرة فريقا موحّدا في قبة البرلمان.
لقد أعلن الهمة منذ بداياته السياسية الحرب على الإسلاميين وتجلى ذلك في العداء الذي أبداه تجاه بعض أقطاب حزب العدالة والتنمية، وليوضح أن هذا العداء ليس مبعثه المنافسة السياسية فقد أعلن في بعض المناسبات ومنها اللقاء الذي أقيم مؤخرا بمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد للعلوم والثقافة عزمه على مواجهة الإسلاميين خاصة الوهابيين والسلفيين، وقد أظهر سوء نيته من البداية لما جعل من أهداف حزبه الثلاثة مواجهة أي تيار ديني يستعمل الدين في السياسة وخصَّ بالذكر الوهابية والسلفية.
ومن هذه الخلفية كان تعقيب فريق التجمع والمعاصرة على تبريرات وزير الداخلية على إغلاق دور القرآن جوابا على سؤال في مجلس النواب يوم الأربعاء 29 أكتوبر 2008م، حيث أن الناطق باسم الفريق اعتبر قرار الإغلاق قرارا موافقا للصواب.
ومن تبريراته على هذه الموافقة أن الجمعيات القرآنية التي صدر في حقها قرار وزارة الداخلية “تعمل على إنتاج فكر ونقل فكر أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه بعيد كل البعد على العصر والمعاصرة”، ونسي النائب وفريقه وزعيم الحزب من خلفهم أنهم طالما تشدقوا بأصالة الحزب، والأصالة كما هو معلوم هي الحفاظ والاستمرار على هدي السلف والسير على طريقهم، ومن ذلك الاهتمام بكتاب الله عز وجل كما هو واقع الجمعيات القرآنية التي أغلقت، إلا أن تكون الأصالة عند الهمة وحزبه وفريقه هي الإخلاص والدفاع عن مبادئ الثورة الفرنسية التي تُوَادُّ كل فكر مهما ضل، وتجعل أعدى أعدائها الإسلام وقيوده الشرعية، وهو الأمر الذي يلزم منه معاداة الشرق وإيديولوجيته الدينية!!
وهذا ما عبرت عنه أختهم من الرضاعة جريدة الأحداث المغربية في عددها 3553 بتاريخ 31 أكتوبر 2008م بأن فريق التجمع والمعاصرة حرص على التعبير عن موقف حداثي، ومن هذا نفهم أن الحداثة هي معنى الأصالة والمعاصرة عند حزب وفريق الهمة وكتبة الأحداث المغربية الذين يحاربون المدارس والجمعيات القرآنية.
فلماذا هذا العداء من الهمة وأتباعه الانتهازيين الذين ما إن دعاهم لحركته حتى هبّ عدد كبير منهم للانخراط فيها من أجل الاستفادة، طمعا في الحفاظ على مصالحهم التي حققوها ظلما من وراء ستار على حساب فقراء ودافعي الضرائب بالمغرب.
ومما جاء في تعقيب نائب الهمة تثمينا لقرار الإغلاق قوله “أنه جاء لتصحيح وضع شاذ لوضع غير مقبول لا قانونا ولا أخلاقيا”، فمتى كان تحفيظ القرآن وترشيد الناس وتربيتهم على القيم والأخلاق وضعا شاذا وغير قانوني ولا أخلاقي؟
ربما في زمن حزب يسمى الأصالة والمعاصرة!
والحال أن هذا الحزب لم نعرف عنه إنكار أي ممارسة من الممارسات التي صارت تصبغ الوضع في المغرب وهي تخالف الأصالة والمعاصرة جميعا، وخير دليل على ذلك الرتب المخزية التي يحتلها المغرب في سلم التصنيفات الدولية.
وليؤكد النائب صواب جريرة الوزارة قال: “لهذا نعتبر أن ما قامت به الإدارة ما هو إلا تحمل للمسؤولية، ويجب الاستمرار فيها لتفادي مثل هذه الوقائع”.
ولنا أن نطرح الأسئلة بدورنا:
ما هي هذه الوقائع التي تتكلم عنها؟
أتقصد تشرد المئات من المعلمين والآلاف من الطلبة الذين سيحتضنهم الشارع بأذرعه الخبيثة، بعد إغلاق أكثر من خمسة وستين دارا للقرآن؟
أم تقصد توقف الآلاف من النساء اللواتي كن يرفعن الجهل عن أنفسهن ويحاربن ظلام الأمية والتخلف!
أم تقصد حرمان آلاف من المصلين قصدوا هذه الدور في العشر الأواخر من رمضان لتطمئن قلوبهم بذكر الله، فإذا بهم يفاجئون بهذا الإغلاق الذي أوقف نبض قلوبهم الحالمة بقراءات قرآنية لم يفرحوا بها إلا مع قراء أنجبتهم تلك الدور التي يطالب حزب الأصالة والمعاصرة بخرابها!
ثم إذا كنتم تعتبرون التعسف الذي مارسته الوزارة على الدور القرآنية ما هو إلا تحمل للمسؤولية!
فلماذا لا تدعون الوزارة للتدخل المسؤول وإيقاف العدد الكبير من الجرائم التي صارت دروبنا وبيوتنا ومدارسنا مسرحا لها؟
ولماذا لا تدعون لمحاربة الفساد والرذيلة المنتشرة في ربوع بلدنا العزيز، الذي شوهته أيدي الانتهازيين، ولصوص الإصلاح؟
ولماذا لا تتصدون للتغريب والتنصير وعلمنة البلاد، أم تعتبرون أن ذلك ليس من الأصالة ويندرج ضمن مفهوم المعاصرة والحرية الفردية المقدسة عند العلمانيين؟