الأمن والآمان في توحيد الله الواحد الديان رضوان الحبشي

(لا يشك عاقل في أن عقيدة التوحيد هي الفطرة الإنسانية العامة التي فطر الله الناس عليها، وهذه الفطرة إذا استقامت ولم تفسد بعوامل الهوى والتقليد والعصبية، فإنها تكون قوة موجهة للنفس إلى الترقي في مدارج الكمال، حافزة لها على التحلي بخصال الخير كلها والتنزه من رذائل الأخلاق ومكروه الأعمال.

فعقيدة التوحيد إذا صحت كانت مركز إشعاع يضيء جوانب النفس فيطهرها من الأوهام والخرافات، وينزهها من الملكات السيئة التي تلازم تلك الأوهام، فتتخلص بتلك الطهارة من الاختلاف في المعبودين وعليهم، ويرتفع شأن الإنسان وتسمو قيمته بما يصير إليه من الكرامة بحيث لا يخضع لأحد إلا لخالق السموات والأرض وقاهر الناس أجمعين).
هذا ما جادت به قريحة الدكتور محمد خليل الهراس في كتابه “دعوة التوحيد” في معرض كلامه عن آثار التوحيد في الفرد والجماعة، لأن العبد إذا وحَّد ربه بإفراده بما يختص به فإن ذلك يكون له انعكاسات حميدة على نفسه وعلى مجتمعه الذي يعيش فيه. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فضل التوحيد وفوائده الكثيرة التي يعلمها من تشبع بعقيدة القرآن وسلك منهج النبي العدنان عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام.
من أجل ذلك أجدني مندفعا إلى كتابة هذه الأسطر مشاركة مني لإبراز وتسليط الضوء على بعض فوائد التوحيد التي بينها العلماء في كتبهم وهي غيض من فيض وجزء من كل.
فأقول: -مستعينا بالله- اعلم أيها القارئ الكريم وفقني الله وإياك إلى توحيده، أن توحيد الله تعالى بالعبادة سبب لحصول الأمن والهداية في الدنيا والآخرة كما نطق بذلك القرآن وبينه المحققون من أهل العلم مستدلين بقول الله تعالى: “الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” الأنعام.
لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة رضي الله عنهم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس الأمر كما تظنون إنما المراد به الشرك، ألم تسمعوا إلى قول الرجل الصالح -يعني لقمان- (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)” البخاري ومسلم.
ففسر لهم النبي صلى الله عليه وسلم الظلم المذكور في الآية بالشرك وهو نوع من أنواع الظلم بل هو أظلم الظلم.
وعليه فإن من أخلَص العبادة لله وحده ولم يشرك به شيئا فهو من الآمنين يوم القيامة (بل حتى في الدنيا) المهتدين في الدنيا والآخرة.
وهذه الآية قالها الله تعالى حكما بين إبراهيم عليه السلام وقومه حين قال لهم: “وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” الأنعام.
والمعنى أي كيف أخاف أصنامكم ومن وراءها من المعبودين، وأنا موحد بالله لا أشرك به شيئا، ولا تخافون أنتم عذاب الله، وقد أشركتم به بعض خلقه فأينا أحق بالآمن؟ وأينا أحق بالخوف؟
..فمع توحيد الله الأمن والهدى، ومع الشرك بالله الخوف والضلال). سبيل الرشاد في هدي خير العباد 1/181 الدكتور محمد تقي الدين الهلالي -بتصرف-.
وخلاصة القول أن بتحقيق التوحيد ونبذ الشرك -بكل أنواعه وألوانه- يحصل الأمن الروحي والأخلاقي، فمن أراد أن يحافظ على هذا الأمن فعليه أن يستقيم على عقيدة القرآن التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان في العقيدة والعبادة والسلوك. كإمامنا مالك وغيره من علماء المسلمين رحم الله تعالى الجميع.
وبعد أن حلقت بك قليلا أيها القارئ الكريم في سماء عقيدة القرآن والسنة فإني أضطر إلى هبوط اضطراري في واقعنا المعاصر وأقصد واقع بلدي العزيز المغرب، فأقول أين المحافظة على الأمن الروحي والأخلاقي للمغاربة وكثير من الناس بسبب جهلهم (هداهم الله) يذبحون لغير الله، ويدعون غير الله، وينذرون لغير الله، ويحلفون لغير الله، ويشدون الرحال إلى المواسم التي يمارس فيها كل أنواع الخرافة والشعوذة والشذوذ، وهذا مخالف لصريح القرآن وصحيح السنة ومذهب الإمام مالك.
بل أين نحن من الأمن الأخلاقي وجمعية “كيف كيف” للشواذ تضم في صفوفها 3000 شاذ مغربي منهم من يعيش داخل المغرب ومنهم من يعيش خارجه، وأن هذه الجمعية لها علاقات غير رسمية ببعض الجمعيات المعروفة في المغرب وبعض الأحزاب اليسارية.
أما الدعارة المنظمة ودعارة الطالبات وفضائح الشقق المفروشة فحدث ولاحرج، فقد ارتفعت نسبة حالات الإجهاض -قتل النفس- في المغرب لتصل إلى 600 حالة يوميا، 42% من اللاجئات إليه عازبات، 13% منهن يتوفين.. وهي أرقام تدق ناقوس الخطر وتنذر بالهشاشة التربوية.
لكن أرجع فأقول لعل الأمن الروحي والأخلاقي عند القوم يختلف تماما عن الأمن الروحي والأخلاقي الذي نص عليه ديننا الحنيف، ولذلك أغلقت أكثر من 60 جمعية لتحفيظ القرآن الكريم بحجة المحافظة على الأمن الروحي والأخلاقي للمغاربة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *