من الأمور الغريبة المستهجنة أن يطلع علينا قاطع طريق مفارق للجماعة مستبيح لدم المسلمين وأعراضهم وأموالهم بنغمة نشاز في لحن الحق المتجانس، ويدعي هذا المستغرب أنه سلفي سليل الطائفة المنصورة وابن الفرقة الناجية، وذلك ولا شك إدعاء يحتاج إلى دليل ويمين مغلظة وإيمان عن بينة، حتى يتسنى للقائم على حمى الثخوم تمييز الحق عن الباطل وتمحيص النافع من الزبد، ذلك أنه حينما تعتكر البيئة وتموج الفتنة ويحيى شره الضلالة يغيب الحق عن الناس، وتحجب أهلتَه خسوفاتٌ حاقدة وسواتر ماكرة، تسعى لإسقاط الدين من منظومة الحياة الجادة والعيش الهادف.
وعلى رأس هذه الخسوفات نجد الإعلام المنحاز الذي يستبيح الكذب وينشر الجحود ويستغل الفلتات استغلالا يروم التلبيس والتدليس ويبغي الفساد والكساد، فتتهاوى الأقلام المبراة ذوات المداد الملغوم على اتهام المنهج القويم، ورمي المنتمين له بالغلو والتطرف و”الشبقية” للدماء البريئة والأفكار القميئة، فيحصل مع هذا التهاوي المأجور مستعمرات غير المساحات من الأرض التي وقعت تحت وطأة الاحتلال المسلح، ولكنها مستعمرات نفوس استحلت الدنايا، وتدثرت بلفائف الحقد وتزملت بأغشية الكراهية، نفوس أصابتها سهام الغزو المارقة، فأردتها صريعة ممسوخة منسلخة عن فطرة الاستهلال الأول، فعاشت كما أريد لها تعتصرها الضلالة، وتفتك بها أوهام الوعود الزائفة، ويا ليتها وهي تشكو العي أوتيت لسانا سؤولا يستمطر صيب الرحمة من صيدلية الحق التي لا ينفذ دواؤها، والواحة المعطاء التي لا يخضب ماؤها، صيدلية العلم وواحة العلماء ورثة الأنبياء.
إن أهل الحق وهم يرون طلعة الخوارج الجدد، أهل الدعوة والقتال والذين يدعون لسلفيتهم الاستئثار بالحق والانفراد بالصواب، ليعلمون أن جماعة القوم عصابة خلفية للقتل وقطع الطريق وهم سلفيون باعتبار أسلافهم أمثال ذي الخويصرة الذي اتهم نبينا بعدم العدل، وابن ملجم الذي طعن زوج بنت رسول الله ورابع الخلفاء الراشدين عليًّا رضي الله عنه بخنجر الغدر وسكين الخروج، وأبي لؤلؤة المجوسي الذي اغتال الفاروق عمر وهو بين يدي ربه ساجدا منيبا.
وأهل الحق وهم يتفرسون في هذه الطلعة لا يستغربون لصنائع القوم المارقة عن الجماعة الشاذة عن المعلوم من ديننا بالضرورة فلا عجب عندهم أن توجد هذه التوابع الماكرة بالنظر إلى الأصل المتبوع فإذا كان جيلهم الأول قد تطاول على صاحب المقام المحمود وتجرأ على دم الصحابة الأطهار فإننا ننتظر ممن تشبع ونهل من هذا الماء الأجاج وفهم من نصوص الكتاب وحكمة السنة غير مراد الله منهما، وافتتن بسيرة الخوارج الأوائل وتتبع نهجهم حذو القذة بالقذة لا ننتظر من هؤلاء أن يأكلوا ذبائحنا وأن ينكحوا بناتنا بالعقد الشرعي وأن يشاركوننا الصلاة في مساجدنا مشاركة اعتدال وتراص المنكب حذو والمنكب، وأن يصبروا على الأذى وهم يخالطوننا ليحققوا الخيرية التي وعد بها الصادق المصدوق، عندما قال: “المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على آذانهم خير من المسلم الذي يعتزل الناس ولا يصبر على أذاهم”.
إن المنهج السلفي الحق هو منهج واضح كوضوح الشمس التي لا ينكر ضوئها إلا من به رمد وهو حق لا تقوى على قبسه النوراني الكائنات الليلية، وهو منهج يريد أن نكون أمة واحدة ربها واحد وكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة، وأركانها خمسة لا سادس لها ومبادئها الأخلاقية العليا المجمع عليها والتي تنص على أن أموال المسلمين وأعراضهم ودمائهم بينهم حرام، وأن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة بيته العتيق، وهذا المنهج هو منهج معصوم يستمد عصمته من كونه رماد مخلص لبؤرة الموقد الأول ذلك الموقد الذي قال في حقه من لا ينطق عن الهوى: “خير الناس قرني الذي بعثت فيه”.
وهو منهج يستمد براءته من براءة الرعيل الأول الذي أخذ عن النبي أصول الشرع وفروعه، ولذلك فأي قذف لهذا المنهج هو اتهام مباشر لرواية سيد الخلق ولخيرية الصحابة، وهو ضرب نوعي من ضرب الرفض والتشيع المقيت.
ثم إننا نميز بين المنهج والمنتسبين له فإن كان المنهج معصوم فإن المنتسبين له يصدق عليهم قول الرسول الكريم: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” فالمنهج إذن هو قراءة شخصية للضابط الفاصل بين سبيل الله وما سواه، ضابط “ما أنا عليه وأصحابي”.
فإذا وجد اليوم من يتهم المنهج ويرميه بالغلو والتكفير والتطرف والتشويش وقائمة الأنباز طويلة والمنهج الحق منها براء، فإننا نحيل هذا الاتهام ونرجع به إلى الوراء حيث مصدر التلقي ومعين الأخذ حيث النبي والصحب الكرام، ما كان لهم في عير التكفير ولا نفير الهجر، إنما كانت الرحمة عملة أخوتهم وتماسكهم والشدة أداتهم في صد عاديات الحاقدين المتربصين: “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ”.
لذلك كان جيل الصحابة وسيبقى بفضل الله ومنته عنوان كرامتنا ورمز قوتنا وسر تفوقنا واسمع أيها الحاقد للإمام الشافعي وهو يقول: “هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا” فأين هذا الكلام النفيس من هذا الظن والخرص الذي مفاده قعقعة “هم رجا ل ونحن رجال”.
إن رواد المنهج القويم وهم يعودون إلى ذلك الماضي المشرق لا يتعبدون الله بزلفى الذوات والرموس كما يفعل القبوريون والروافض، إنما رجوعهم وعودتهم مجرد غوص في الأعماق غوص يتلمسون فيه قيم العدل والإيثار ومعالم الصدق وحاكمية الحق، فهذا عمر بن عبد العزيز لما بلغه أن أهل مصر يحملون على بعيرهم ودوابهم ما لا تطيق، بعث إلى والي هذا المصر برسالة شديدة الوعيد مشفوعة بوزن الكمية الواجب عدم تجاوزها على ظهر الأنعام، ولا غرابة ولا عجب في هذا ونظائره الكثيرة، فهذا خلف له سلف أقسم وقال: والله لو زلت بغلة في أرض العراق لسألني الله عنها وقال: لماذا لَمْ تعبد لها الطريق يا عمر؟!