قال نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، ولا يزيغ عنها بعدي إلا هالك؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور» رواه أبو داود والترمذي.
أخذ المصلحون الأباة هذا الحديث قاعدة متينة للإصلاح، ففيه ذكر الداء وهو الاختلاف والافتراق، وفيه ذكر الدواء؛ وهو الاعتصام والتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، في الاعتقاد والأحكام والسلوك، مع نبذ ما خالف ذلك.
ومن هؤلاء الدعاة المصلحين السلطان محمد بن عبد الله العلوي.
قال الحجوي الثعالبي في ‘الفكر السامي’ (2/293-294): عالم السلاطين، وسلطان العلماء في وقته، إمام جليل، وجهبذ نبيل، أحيا من العلم مآثره، وجدد الدولة العلوية بعد أن كانت داثرة”.
وفي الاستقصا (2/293-294): “كان السلطان سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية رضي الله عنهم، وكان يحض الناس على مذهب السلف من الاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل، وكان يقول عن نفسه حسبما صرح به في آخر كتابه الموضوع في الأحاديث المخرجة من الأئمة الأربعة أنه مالكي مذهبا حنبلي اعتقادا، يعني أنه لا يرى الخوض في علم الكلام على طريقة المتأخرين، وله في ذلك أخبار”.
قال السلطان محمد بن عبد الله رحمه الله في آخر كتابه ‘الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية’: فصل في بيان قولي في الترجمة: المالكي مذهبا الحنبلي اعتقادا: والأيمة رضي الله عنهم اعتقادهم واحد، فأردت أن أشرح قولي: المالكي مذهباً الحنبلي اعتقاداً؛ وأبين المقصود بذلك والمراد، ليلا يفهمه بعض الناس على غير وجهه؛ وذلك أن الإمام أحمد -ثبت الله المسلمين بثبوته- سد طريق الخوض في علم الكلام، وقال: لا يفلح صاحب الكلام أبدا.. وإلى ذلك ذهب الشافعي ومالك وسفيان وأهل الحديث قاطبة، حتى قال الشافعي رضي الله عنه: لأن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الكلام. فلزم الناس السكوت عن الخوض في علم الكلام.. فطريق الحنابلة في الاعتقاد سهلة المرام، منزهة عن التخيلات والأوهام، موافقة لاعتقاد الأيمة كما سبق مع السلف الصالح من الأنام، أعاشنا الله على ما عاشوا عليه، وأماتنا على ما ماتوا عليه”.
– أصدر رحمه الله مرسوما ملكيا سنة 1203 هـ في إصلاح المنهج التعليمي بالمغرب، وألزم العلماء والوعاظ به، وتوعد بالعقوبة كل من خالفه، ومما قال فيه: “ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبي زيد رضي الله عنه كافية شافية يستغني بها جميع المسلمين”.
وقال: “ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص؛ فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لا يدرون بأنهم لا يدرون، ومن تعاطى ما ذكرنا في المساجد ونالته عقوبة فلا يلومن إلا نفسه” (نقلا عن النبوغ المغربي لعبد الله كنون ص:277).
قال الثعالبي في الفكر السامي:”وقد كان سلفي العقيدة.. ويرى الرجوع للكتاب والسنة؛ ولو عملوا برأيه لارتقى علم الدين إلى أوج الكمال”.
قلت: صدق الثعالبي رحمه الله في قوله: ” ولو عملوا برأيه لارتقى علم الدين إلى أوج الكمال”؛ إذ اتباع الوحي المنزل من عند الله من تمام الأدب مع الله، كما قال السلطان المولى سليمان بن محمد بن عبد الله: “والأدب مع الله ثلاثة: حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع، ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع، ومراعاتها في الضيق والاتساع”.