تواضع علماء المالكية كغيرهم على اصطلاحات في الأعلام والكتب والترجيحات والفتوى.. وغير ذلك، بل قد يختص بعض أئمتهم ببعض الاصطلاحات الخاصة كما هو صنيع خليل رحمه الله في مختصره وضبط ذلك كله مدخل للتمرس في المذهب المالكي وشرط أساس لتحقيق الأقوال فيه وتنقيحها.
وسنقتصر في هذه المقالة على ذكر بعض المصطلحات العامة في الفتوى عندهم لأهميتها ابتداء في باب الخلوص للقول المعتمد وهي كالأتي:
– المنصوص: يطلق هذا اللفظ على أقوال مالك أو أصحابه المتقدمين، وأحيانا يطلق على أقوال المتأخرين.
يقول ابن فرحون نقلا عن الباجي رحمهما الله: “ويحتمل أن يكون من نص الشيء إذا رفعه، فكأنه مرفوع إلى الإمام أو إلى أحد من أصحابه” كشف النقاب لابن فرحون 99.
ويقول أيضا: “ومن قاعدته -أي ابن الحاجب- أن يطلق المنصوص على ما هو منصوص المتقدمين..، وقد يطلق على ما ليس فيه نص للمتقدمين، بل يكون قول المتأخرين” نفسه.
– الظاهر: يطلق الظاهر عندهم على “ما ليس فيه نص، ويراد به الظاهر من الدليل، أو الظاهر من المذهب” كشف النقاب 96.
فالمسألة التي لم ينص على حكمها ينظر في الدليل، أو فيما تدل عليه قواعد المذهب وأصوله، فالذي يدل عليه ظاهر الدليل أو ظاهر المذهب يكون حكمها كذلك حيث لا نص.
– الأصح والصحيح: يقول ابن عرفة رحمه الله: “الصحة في الأصح راجعة لقوة دليله” كشف النقاب 90.
فالصحيح هو: القول الذي قوي دليله وهو يقابل الأصح ونقول عن القولين: هذا صحيح والثاني أصح منه “حيث يكون كل واحد من القولين صحيحا وأدلة كل واحد منهما قوية، إلا أن الأصح مرجح على الآخر بوجه من وجوه الترجيح” نفسه 63.
– المعتمد: عندهم هو: “القوي سواء كانت قوته لرجحانه أو لشهرته” بلغة السالك لأقرب المسالك لأحمد الصاوي 1/15.
– المعروف: المقرر عندهم أنه: “القول الثابت عن مالك أو أحد أصحابه، ويقابله المنكر وهو الذي لم تثبت نسبته إلى مالك أو إلى أحد من أصحابه” حاشية المدني على كنون 1/217.
– الأحسن: مرادهم به هو ما استحسنه الإمام وليس الأحسن من الأقوال. انظر البهجة شرح التحفة لأبي الحسن التسولي 1/45، وهو بمعنى الأولى عندهم. انظر كشف النقاب 122.
– المختار: مرادهم بهذا اللفظ “ما اختاره بعض الأئمة لدليل رجحه به، وقد يكون ذلك المختار هو المشهور أو خلافه” كشف النقاب 33.
– الأشبه: القصد به عندهم أنه “الأسد من السداد، والاستقامة في القياس، ولكونه أشبه بالأصول من القول المعارض له” نفسه.
وذلك كأن يكون في المسألة قولان قياسيان، لا أن أحدهما أقرب شبها بالأصل المقيس عليه، فاستقام القياس على هذا الأصل، فهو القول السديد، وهو من باب الاستحسان، حيث أخذ بأقوى الدليلين وأقربهما إلى الأصل.
– الحق: هذا اللفظ يطلق عند المتأخرين على تحقيق صواب ما ذهب إليه من أقوال في المسألة أو تقييدها ومقابل الحق الوهم. انظر كشف النقاب 125.
فإذا كان في المسألة عدة أقوال فإن الناظر المؤهل يعبر بلفظ الحق حين يتحقق بنفسه حسب اجتهاده من صحة أحد هذه الأقوال.
– القول الضعيف: هو من جنس القول المرجوح، ويطلق على ما لم يقو دليله، فيقابل بذلك القول الراجح. انظر أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي 585.
– القول الشاذ: وهو من جنس القول المرجوح أيضا، ويطلق على القول الذي لم يكثر قائله، ويقابل القول المشهور. نفسه.
– الاتفاق والإجماع: الاتفاق في اصطلاح المالكية يعني: “اتفاق علماء المذهب المعتمد بهم دون غيرهم” مواهب الجليل 1/40، وحاشية العدوي 1/84.
ويعبرون عن ذلك بقولهم: الحكم كذا اتفاقا أو باتفاق.
أما الإجماع فإنه يعني عندهم اتفاق جميع العلماء من المالكية وغيرهم. انظر كشف النقاب 114.
إلا أنهم قد يستعملون الاتفاق في محل الإجماع والعكس، فلم تطرد لهم قاعدة في ذلك، وإن كان الغالب ما قدمنا في معنى الاتفاق والإجماع.
ومما نبه عليه أهل العلم في خصوص هذين المصطلحين أن الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله إذا ذكر الإجماع فهو يقصد به عادة ما عليه الجمهور من الفقهاء، كما أن ابن رشد المالكي رحمه الله إذا حكى الاتفاق يريد به عادة المشهور.
قال الناظم:
وحذروا أيضا من اتفاق—-عن ابن رشد عالم الآفاق
لكن أقل ذلك1 الجمهور—- كما أقل ذا هو المشهور2.
نظم بوطليحية في المعتمد من الكتب والفتوى على مذهب المالكية 97.
– الجمهور: يطلق هذا اللفظ على معنيين:
الأول: الأئمة الأربعة وتابعوهم. انظر مسائل لا يعذر فيها بالجهل 12.
الثاني: ما عليه الأكثر من الأصحاب داخل المذهب، قال ابن فرحون رحمه الله: “ويستلزم ذلك أنه المشهور أيضا، فالجمهور يستلزم المشهور، والمشهور لا يستلزم أن يكون هو قول الجمهور” كشف النقاب 120.
– الأقوال أو قولان: يريدون بهذا الاصطلاح أقوال أصحاب مالك، ومن بعدهم من المتأخرين كابن رشد رحمه الله.
وقد يرد هذا الاصطلاح ويقصد به قول مالك أحيانا.
يقول الحطاب رحمه الله: “غالبا أن المراد بالروايات أقوال مالك، وأن المراد بالأقوال أقوال أصحابه ومن بعدهم من المتأخرين، كابن رشد والمازري ونحوهم، وقد يقع بخلاف ذلك” مواهب الجليل 1/55.
أما خليل رحمه الله فإنه يأتي به حين لا يظهر له أرجحية دليل على آخر يقول: “وحيث ذكرت قولين أو أقوالا فذلك لعدم اطلاعي في الفرع على أرجحية منصوصة” نفسه.
هذه بعض المصطلحات ومعانيها تخص المذهب المالكي القصد من ذكرها التنبيه على أهمية هذا الباب، وإلا فالمصطلحات كثيرة يرجع في ضبطها إلى مظانها والله الموفق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. اسم الإشارة هنا راجع على الحافظ ابن عبد البر رحمه الله.
2. اسم الإشارة هنا راجع على الإمام ابن رشد رحمه الله.