تنوير الحوالك ببيان أصول مذهب مالك -الحلقة العاشرة- رشيد مومن الإدريسي

من مسائل الإجماع أنه “إذا أجمع أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول، فقد اختلف في ذلك، هل يكون إجماعا وحجة أم لا؟ والأظهر أنه إجماع وحجة1” كما قال التلمساني المالكي رحمه الله في مفتاح الوصول 750- تحقيق فركوس.

قال ناظم مفتاح الوصول:
إن وقع الإجماع من بعد خلاف *** فهل يكون رافعا للاختلاف
تنوير العقول 178.
“والأرجح أنه حجة ومثاله: احتجاج المالكية على أن بيع أم الولد لا يجوز بإجماع التابعين رضوان الله عليهم بعد اختلاف الصحابة” نفسه 179.
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله: “..وهل إذا مات (أي أحد المجتهدين) وهو مخالف ثم انعقد الإجماع بعده يكون إجماعا وهو الظاهر2 أو لا يكون إجماعا لأن الميت لا يسقط قوله بموته، خلاف معروف في الأصول” أضواء البيان 1/246.
مع العلم أن الإجماع إذا نقل بطريق الآحاد فقد اختلف في حجيته3 كما قال ابن عاصم المالكي رحمه الله ناظما:
وإنما الخلاف فيه باد **** إذا أتى عن خبر الآحاد
مرتقى الوصول 629 – مع شرحه.
إلا أن “أكثر المحققين على ثبوت الإجماع بخبر الواحد كما ذكره القرافي، ويجب العمل به قياسا على خبر الواحد فهو وإن كان ظنا إلا أنه يوجب العمل، وهو قول الحنابلة والغزالي وبعض الحنفية خلافا للجمهور4، والحجة مع المثبتين لأنها مسألة شرعية طريقها طريق بقية المسائل التي يكفي فيها الظن (أي: غالبه)” شرح مرتقى الوصول 630.
والإجماع “على قسمين : نطقي وسكوتي.
فالنطقي: هو أن يكون اجتماع المجتهدين على الحكم بالنطق به من كل واحد منهم.
والسكوتي: هو أن ينطق به بعضهم ويسكت الباقون5، وهو حجة ظنية.
والنطقي عل قسمين: قطعي وظني.
فالقطعي منه: هو المشاهد أو المنقول بالتواتر.
والظني: هو المنقول بخبر الآحاد الصحيح، وهو حجة ظنية، والقطعي حجة قطعية” إيصال السالك في أصول الإمام مالك للولاتي42.
“ولم يخالف في حجية الإجماع إلا الروافض والخوارج والشيعة والنظام، وخلافهم لغو لأنه لا يعتد بمخالفتهم.
والمجمع عليه على ثلاثة أقسام: ضروري ومشهور ونظري.
فالضروري هو الذي يكفر جاحده بلا خلاف، كتحريم الزنا، أعاذنا الله منه، وكإنكار إمامة أبي بكر رضي الله عنه.
والمشهور يكفر جاحده على المشهور إن كان منصوصا في الكتاب والسنة، لأن جحده تكذيب للشرع، مثاله ربا الجاهلية وربا النسيئة.
وأما النظري فلا يكفر جاحده اتفاقا ولو كان منصوصا كفساد الحج بالوطء قبل الوقوف، وكاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، فإن هذين مجمع عليهما لكنهما نظريان” نفسه بتصرف.

فائدة اصطلاحية:
الأصل في إطلاق الحافظ ابن عبد البر المالكي رحمه الله لمصطلح (الإجماع) أنه يريد به قول جماهير الفقهاء، وكذا الإمام ابن رشد المالكي رحمه الله من عادته أنه إذا حكى الاتفاق أصالة يريد به القول المشهور وفي ذلك قال صاحب بوطليحية (ص:98 وانظر الحاشية : 1–2):
وحذر الشيوخ من إجماع **** عن ابن عبد البر في السماع
وحذروا أيضا من اتفاق ****عن ابن رشد عالم الآفاق
لكن أقل ذلك الجمهور **** كما أقل ذا هو المشهور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. وهو مذهب جمهور المالكية وغيرهم. انظر شرح تنقيح الفصول للقرافي المالكي رحمه الله 328 في آخرين، مع الإشارة إلى أنه “لا يشترط انقراض العصر خلافا لقوم” كما قال ابن جزي المالكي رحمه الله في تقريب الوصول 129 تحقيق فركوس، أي: لا يشترط انقراض العصر لانعقاد الإجماع، و”هو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين” كما قال الإمام الباجي المالكي رحمه الله في إحكام الفصول له 1/524.
قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
وفي انقراض العصر خلف وضحا *** والمنع لاشتراطه قد صححا
مرتقى الوصول 633 – مع شرحه.
2. لعموم قوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق..” الحديث.
يقول ابن جزي المالكي رحمه الله: “يجوز حصول الاتفاق بعد الاختلاف في العصر الواحد وفي العصر الثاني” تقريب الوصول 130 – تحقيق فركوس.
قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
والاتفاق بعد الافتراق **** يجوز أن يقع على الإطلاق
مرتقى الوصول 633 – مع شرحه.
مع العلم أنه “إذا اختلف أهل العصر الأول على قولين فلا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث خلافا للظاهرية” تقريب الوصول 130.
قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
وحيثما لأهل عصر قد خلا **** في الحكم قولان لهم فما علا
فلا يجيز غير أهل الظاهر**** إحداث قول ثالث للآخر
مرتقى الوصول 636 – مع شرحه.
3. يقول ابن جزي المالكي رحمه الله: “إذا نقل الإجماع بأخبار الآحاد فقيل هو حجة وقيل لا” تقريب الوصول 131 – تحقيق فركوس، وانظر شرح تنقيح الفصول للقرافي المالكي رحمه الله 332.
4. وعندي في نسبة هذا المذهب للجمهور نظر لاعتبارات والعلم عند الله.
5. نقل الباجي المالكي رحمه الله في خصوص هذا النوع عن جمهور المالكية والحنفية والشافعية أنه إجماع وحجة قاطعة. انظر الإشارة للباجي 238، والمسألة تحتاج إلى بحث وتتبع، فمن أهل العلم من نقل خلاف كلام الباجي والله أعلم انظر مفتاح الوصول للتلمساني 746 – تحقيق فركوس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *