تنوير الحوالك ببيان أصول مذهب مالك 1 رشيد مومن الإدريسي

الإجماع أصل من أصول مذهب مالك رحمه الله، سواء ما تقدم فيه إجماع من الصحابة والتابعين، أو ما يكون فيه إجماع مستقبل في شؤون متعددة1، ولذا قال ابن القصار المالكي رحمه الله: “مذهب مالك رحمه الله من الفقهاء: أن إجماع الأعصار حجة” المقدمة في أصول الفقه6.

قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
وإن الإجماع لأصل متبع *** في كل حين وبحيث ما وقع
مرتقى الوصول 626 – مع شرحه.
وممن قرر كون الإجماع أصل من أصول مالك رحمه الله أبو كف أحمد المحجوبي الشنقيطي في نظمه حيث قال ضمن ذكر بعض أصول المالكية:
ثمت إجماع وقيس وعمل *** مدينة الرسول أسخى من بذل
والإجماع في اللغة: العزم والاتفاق. انظر لسان العرب 8/57.
أما اصطلاحا فعرفه الإمام القرافي المالكي رحمه الله بقوله: “هو اتفاق أهل الحل والعقد من هذه الأمة2 في أمر من الأمور، ونعني بالاتفاق الاشتراك إما في القول، أو الفعل، أو الاعتقاد، وبأهل الحل والعقد:المجتهدين3 في الأحكام الشرعية، وبأمر من الأمور: الشرعيات والعقليات والعرفيات ” شرح تنقيح الفصول 322.
قال صاحب المراقي:
وهو الاتفاق من مجتهدي **** الأمّة من بعد وفاة أحمد
وقد اتفق أهل العلم 4 على أن الإجماع حجة شرعية يجب إتباعها والمصير إليها. انظر المذكرة للعلامة الشنقيطي رحمه الله 151، في آخرين.
ومن أدلة حجية الإجماع في الكتاب قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
قال التلمساني المالكي رحمه الله عند هذه الآية: “فمن خالف الإجماع فقد اتبع غير سبيل المؤمنين فاندرج في هذا الوعيد” مفتاح الوصول 744-تحقيق فركوس.
أما من السنة فقد استدل علماء الأصول بجملة من الأحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام: “لا تجتمع أمتي على ضلالة”5، وقوله عليه الصلاة والسلام: “لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس” متفق عليه 6.
قال التلمساني المالكي رحمه الله: “ورويت عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث متواترة المعنى تتضمن عصمة الأمة من الخطأ فيما أجمعوا عليه” مفتاح الوصول 745- تحقيق فركوس.
ويشترط في الإجماع أن يكون له مستند ودليل يقوم عليه، ويجوز أن يكون هذا المستند قطعيا أو ظنيا كما هو مذهب الجماهير ومنهم مالك رحمه الله.
قال ابن جزي المالكي رحمه الله: “يجوز عند مالك انعقاد الإجماع عن الدليل والأمارة والقياس” تقريب الوصول إلى علم الأصول 131- تحقيق فركوس، وانظر شرح تنقيح الفصول للقرافي المالكي رحمه الله في آخرين.
قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
وحده اتفاق أهل العلم **** في زمن على اتباع حكم
وعن دليل أو قياس ينعقد **** وعن أمارة وكل اعتمد
مرتقى الوصول 626 فما بعدها – مع شرحه.
“ولا ينعقد الإجماع ولا يستقر إذا خالف في المسألة من له اعتبار في الشرع، كأحد الصحابة أو التابعين أو أحد الأئمة الأربعة وهذا قول جماهير العلماء، وخالف في ذلك ابن خويز منداد وبعض الحنابلة والحنفية” 7.
قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
وإن يخالف من له اعتبار**** فما للإجماع به استقرار
مرتقى الوصول 626 – مع شرحه.
وللبحث بقية..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. إجماع الصحابة حجة بلا خلاف، وأما إجماع غيرهم من العلماء في سائر الأعصار فهو حجة عند جماهير العلماء، فليس الإجماع مقصورا عندهم على الصحابة وخالف في ذلك داود الظاهري.
والصواب مع الجماهير، وفي ذلك قال ابن عاصم المالكي رحمه الله ناظما:
وليس مقصورا على الصحابه **** والظاهري جاعل ذا دابه
مرتقى الوصول 629 – مع شرحه.
هذا مع العلم أن ضبط إجماع الصحابة أيسر من ضبط إجماع من بعدهم لسعة الأقطار وكثرة الأعداد.
2. أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، مع التنبه إلى أنه “لا يشترط بلوغ المجمعين إلى حد التواتر، بل لو لم يبق إلا مجتهد والعياذ بالله لكان قوله حجة” كما قال الإمام القرافي المالكي رحمه الله في شرح تنقيح الفصول 341.
قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
وليس شرطا فيه تعيين العدد **** دليله السمع بحيث ما ورد
مرتقى الوصول 629 – مع شرحه.
3. والصحيح أنه لا عبرة بإجماع العوام على تفاصيل عند بعض أهل العلم في ذلك. انظر نثر البنود على مراقي السعود 2/425-426.
قال ابن جزي المالكي رحمه الله: “والمعتبر في كل فن إجماع أهله وإن لم يكونوا من غير أهله ولا يعتبر منهم إلا المجتهدون لا المقلدون” تقريب الوصول 130- تحقيق فركوس، وانظر شرح تنقيح الفصول 341.
4. ولا عبرة بمخالفة من خالف ممن لا يعتد بمخالفته، كما قال ابن عاصم المالكي رحمه الله:
وإن بدا فيه خلاف رافضي **** أو خارجي فهو غير ناقض
مرتقى الوصول 626 – مع شرحه.
5. رواه أحمد في المسند وأبو داود والترمذي بطرق يتقوى بها كما في تحفة الأحوذي 6/386، وقال الزركشي رحمه الله عنه: “اعلم أن طرق الحديث كثيرة لا تخلو من علة، وإنما أوردت منها ذلك ليتقوى بعضها ببعض” المعتبر 57، وحسن الحديث الشيخ الألباني رحمه الله كما في السلسلة الصحيحة 3/319- مختصره.
6. قال الإمام النووي رحمه الله في خصوص الحديث: “وفيه دليل لكون الإجماع حجة وهو أصح ما استدل به له من الحديث ” انظر فتح المنعم على زاد المسلم 5/192.
7. انظر شرح نظم مرتقى الوصول إلى علم الأصول لفخر الدين بن الزبير 628.
وللعلامة الشنقيطي رحمه الله تفصيل في المسألة حيث قرر أنه يعتد بمخالفة الواحد والاثنين في حكاية الإجماع، إلا إذا كان خلافهم ضعيفا أو يرده صريح القرآن أوالسنة، ففي هذه الحالة مخالفة الواحد والاثنين كالعدم. انظر أضواء البيان (1/236)، (2/36)، (2/341)، وكذا سلالة الفوائد الأصولية للسديس 60 فما بعدها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *