“التكشف والتعري فطرة حيوانية بهيمية، لا يميل إليها الإنسان إلا وهو ينحدر ويرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله وأنعم عليه بفطرة حُبِّ السِّتر والصيانة، وإن رؤية التبرج والتهتك والفضيحة جمالاً ما هي إلا فساد في الفطرة وانتكاس في الذوق، ومؤشر على التخلف والانحطاط.
ولقد ارتبط ترقي الإنسان بترقيه في ستر جسده، فكانت نزعة التستر دوماً وليدة التقدم، وكان ستر المرأة بالحجاب يتناسب مع غريزة الغيرة التي تستمد قوتها من الروح، أما التحرر عن قيود السِّتر فهو غريزة تستمد قوتها من الشهوة التي تغري بالتبرج والاختلاط، وكل من قنع ورضي بالثانية فلابد أن يضحي بالأولى حتى يُسْكِتَ صوت الغيرة في قلبه، مقابل ما يتمتع به من التبرج والاختلاط بالنساء الأجنبيات عنه، ومن هنا كان التبرج علامة على فساد الفطرة، وقلة الحياء، وانعدام الغيرة، وتبلد الإحساس، وموت الشعور..” (عودة الحجاب).
إن التزام المرأة بالحجاب إثبات عملي أنها صامدة إزاء التيارات الوافدة، والانحرافات السلوكية، وبرهان جلي على أنها تعتز بحرمة كرامتها، وتغار على تماسك شخصيتها، وتلتزم بأحكام دينها، وتزدري بأساليب الإغراء والإغواء، ونحن نجد -والحمد لله- ظاهرة التحجب: تتسع يوماً بعد يوم، رغم كل الحملات الضالة، والوسائل الخبيثة، التي يختفي وراءها أعداء الفضيلة، وخصوم الإسلام.
وقد غاض انتشار الحجاب وعودة النساء إلى دينهن العلمانيين دعاة الرذيلة، وادعوا أن هذا الأمر لا علاقة له بالإيمان والتقوى وأنه “موضة العصر”، وأن وراءه أهداف سياسية محضة، وأن الفتيات يحاولن من خلاله اقتناص زوج يبحث عن فتاة فاضلة، وأنه عملية اقتصادية فقط، إذ أن مصاريف الحلاقة وتجفيف الشعر وتصفيفه تتطلب وقتا ومجهودا ومصاريف لا تتوفر لبنات الفئات الفقيرة.
وهي شبه تجلي لنا بوضوح طغيان النظرة المادية الماركسية في التحليل عند العلمانيين، فهم يصرون على نفي العلاقة بين الحجاب وامتثال الأمر الشرعي، رغم أن هذا الأمر هو الأصل في امتثال المرأة لشعيرة الحجاب، فما الذي يدفع المرأة إلى ارتداء الحجاب ومواجهة الإكراهات التي ستواجهها في ميادين الأسرة والعمل.. إن لم يكن امتثال أمر الرب عز وجل؟
وعندما يشعر هؤلاء أن ما ساقوه من حجج يتساقط من تلقاء نفسه بسبب ضعفه وعدم موضوعيته نجدهم يلجأون إلى الاستشهاد برأي بعض من يتدثرون برداء البحث الإجتماعي أو الديني من العلمانيين ذوي المصالح الخاصة، فيزورون الحقائق ويلوون أعناق النصوص ويفسرون الأحكام الشرعية حسب أهوائهم وانتمائهم الفكري، متوهمين أن مثل هذه الافتراءات سوف تنطلي على المغاربة.
إن منطلق ارتداء المرأة للحجاب كان ولا يزال منطلقا عقديا وقناعة روحية، فهي ترتدي حجابها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ولم تُلزَم بالحجاب بقوة الحديد والنار، بل عكس القضية هو الصحيح، إذ أن إلزام المرأة بخلع حجابها وجعل ذلك قانونا وشريعة لازمة هو رمز التعصب والتطرف اللاديني، وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الأفعال السيئة، لأنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية.
نعم هناك تفلت وتقصير واضح من بعض النساء في امتثال شعيرة الحجاب، فليس الحجاب تغطية الرأس فقط، بل يشترط في الحجاب شروطا معلومة وهي:
– أن يستر جميع بدن المرأة خلا الوجه والكفين -على الخلاف-.
– أن لا يكون الحجابُ في نفسه زينةً.
– أن يكون صفيقاً ثخيناً لا يشف.
– أن يكون فَضفاضًا واسعًا غير ضيق.
– أن لا يكون مُبَخَّرًا مُطَّيبًا.
– أن لا يشبه ملابس الرجال.
– أن لا يشبه ملابس الكافرات.
– أن لا تَقْصِدَ به الشهرةَ بين الناس.
وما ترتديه بعض بناتنا ونسائنا من الأزياء يحتاج إلى تقويم وتوجيه، ونصح وبيان، فالزي الذي ترتديه المرأة يجب أن تتوفر فيه الشروط المذكورة كي يطلق عليه اسم حجاب، والحجاب العصري يخالف تلك الشروط في أحايين كثيرة، بل أصبح وسيلة من وسائل عرض مفاتن المرأة وجمالها حتى عاد الحجاب يصمم بأشكال وألوان مثيرة للانتباه وجاذبة للنظر، بل أصبح مرادفا لأدوات التجميل الأخرى فيما يأخذ من وقت ومن تكلفة، وهذا لا يعني أبدا أن نترك أخواتنا الفضليات اللاتي تلبسن بهذه المخالفات عرضة لشبهات من يبغون في الأرض فساد، ومن يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع، فبدل أن يكسر العلمانيون طابو “الحجاب العصري” يجب على العلماء أن يسبقوهم بتوجيه النساء التوجيه الشرعي، وحثهم على التمسك بالدين، وبيان أحكام الشرع في اللباس والزينة، وأن التبرج كبيرة من كبائر الذنوب.