قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع جمهورية إيران، وتضاربت الأقوال والتحليلات حول السبب الحقيقي وراء هذا القرار، فمن قائل أنه تضامن من المغرب مع مملكة البحرين عقب تصريحات أحد المسؤولين الإيرانيين بأن البحرين تشكل المحافظة الـ14 للجمهورية الإيرانية، ومن قائل أن السبب الحقيقي هو سياسة الاستفزاز والسلوكات الاحتقارية لإيران اتجاه المغرب، ومن قائل أن السبب هو التشكيك في الوحدة الترابية الوطنية، ومن قائل أن السبب هو محاولت إيران الاختراق والمساس بالوحدة العقدية والمذهبية للمملكة المغربية.
وبغض النظر عن مدى صحة أحد هذه الأسباب أو جميعها، فإن قطع العلاقات مع إيران والحذر من مخططهم الصفوي الرامي إلى تصدير الثورة إلى المنطقة العربية وغيرها أمر واجب، حتى وإن كابرت بعض الجهات وادَّعت أن هذا بمثابة ارتماء في أحضان الغرب، وسير وفق رغبات أمريكا والاتحاد الأوربي.
فبعد نجاح الثورة الخمينية في إيران صعد نجم التشيع والرفض في العالم، واغتر بعض المتحمسين بما ترفعه الدولة الصفوية من شعارات، وبما يرفعه ذراعها المسلح في لبنان “حزب الله”، فقاموا بمساندة هذه النحلة والدعوة إلى مذهبها الجعفري الإثنا عشري.
ومخطئ من يظن أن المد الشيعي في المغرب غير منظم، فهم يعملون على كافة الجبهات ويستعملون جميع الوسائل الممكنة والمتاحة، ليوجدوا لهم موضع قدم في أرض ووسط يعلمون أنهم منبوذون فيه.
فبعد أن عاد الدفء وتحسنت العلاقات بين المغرب وإيران في مطلع التسعينات، ركزت إيران على اختراق المجتمع المغربي وعملت على تصدير الثورة عبر قنوات متعددة، منها الجمعيات الثقافية والاجتماعية التي تنشط على المستوى الجهوي والمحلي، كجمعية الغدير بمكناس، والتواصل بالمحمدية، والانبعاث بأكادير، واستغل الشيعة المعارض الدولية للكتاب أبشع استغلال -في غفلة أو ضعف كفاءة من المسئولين عن المراقبة- ليغرقوا من خلالها المغرب بآلاف الكتب والأقراص المروجة لعقيدة وفكر الرافضة المنحرف، بل ظهرت بمدينة البيضاء مكتبة ذات توجه شيعي رافضي صِرف تدعى “مدينة العلم” -في إشارة إلى الحديث الموضوع “أنا مدينة العلم وعلي بابها”-، توزع رسائل وكتب أعلام الرافضة، كـ”دروس من الأربعون حديثا” و”الأصنام الخفية” و”العلم المقدس” و”خلاصة كتاب آداب الصلاة” وكلها للخميني، و”نظرة عامة في العبادات” و”بحوث إسلامية” و”رسالتنا” وكلها لمحمد باقر الصدر، و”أحكام النساء” للشيرازي، وغيرها كثير.
وتوزَّع في الأكشاك والمكتبات الوطنية مجلات ودوريات فصلية تروج للفكر نفسه، نذكر منها: فقه أهل البيت، والبصائر، والمنهاج، والمستقبلية، وقضايا إسلامية معاصرة، والنبأ، والوعي المعاصر. ومن أهم المواضيع التي تطرقت لها مجلة فقه أهل البيت في هذا عددها (51) مسألة ولاية الفقيه، وهي مسألة أضفت على التشيع الوجه السياسي الذي لا ينبغي أن يقوم إلا بوجود الإمام المنتظر المزعوم، حيث جوزوا للولي الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة أن ينوب عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض.
أما ما تعج به القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية من مواقع إلكترونية وغرف الدردشة فأدهى وأمر، وقد تمكن دعاة الرفض والتشيع من إصدار جريدة شهرية، عملوا من خلالها أيضا على خدمة المذهب الجعفري الإثنا عشري، غير أنهم لم يتمكنوا سوى من إصدار عددين، حيث تمت مصادرتها في شهر أبريل 2008، ولم يثنهم هذا المنع عن السير قدما في طريق دعوتهم الباطلة، فقد أنشئوا في شهر غشت من السنة نفسها مجلة إلكترونية مغربية شهرية تعنى بقضايا الهوية والتنمية، تحمل نفس اسم الجريدة، ويسهر على خط تحريرها هيئة تحرير جريدة رؤى معاصرة، باستثناء المدير المسؤول.
وبرزت على الساحة أسماء تتبنى فكر الرافضة وتدعو إليه وإن تدثرت بدثار التقية، وحاولت الظهور في مظهر الباحث المحايد في مجال الشيعة والتشيع، كالمدعو إدريس هاني الذي يلقبونه بالمنظر والمرشد الروحي للشيعة في المغرب، وهو رافضي غالٍ في الرفض، يسب الصحابة رضي الله عنهم، ويزعم أن المغرب بلد شيعي، والتشيع هو القاعدة والسنة استئناء بالبلد، وأن الدولة العلوية ذات أسس شيعية خالصة. (انظر الوكالة الشيعية للأنباء).
وسبق له وأن طالب في حوار أجرته معه أسبوعية “ماروك ايبدو انترناسيونال” بـ”إعادة قراءة التاريخ الديني للمغرب، معتبرا المملكة المغربية الوحيدة من بين البلدان السنية بشكل رسمي التي تحتفل بأعياد ذات نفس شيعي، ولم ينف إدريس هاني تأطيره للعديد من الطلبة المغاربة.
ومن الأشخاص الذين تصدروا للدعوة إلى هذا الفكر الضال أيضا المدعو عصام احميدان الحسيني رئيس تحرير مجلة رؤى إلكترونية، والذي يعتبر بمثابة الوكيل الشرعي للمرجع الشيعي حسين فضل الله بالمغرب.
فنحن إذن أمام اختراق رافضي صفوي منظم، خطتُه مرسومة وهدفه واضح، وقد تمكن بعض دعاته للأسف الشديد من التأثير على بعض أبنائنا وإخواننا، سواء في الجالية المغربية خارج أرض الوطن أو داخله، وأصبحنا نسمع في بعض أحياء مدننا من يقذف أمَّنا عائشة الصديقة بنت الصديق بالزنا، ويلعن الصحابة الكرام، ويتبرأ من السنة والجماعة، وأصبحنا نسمع بأسر تشيعت على بكرة أبيها وباتت تحيي ليلة العزاء الحسيني بمناسبة ذكرى عاشوراء، ورأينا بأم أعيننا الجلباب المغربي مشوها بالعمامة الشيعية السوداء في المعرض الدولي الأخير للكتاب.
لا يجب أبدا أن ننسى ونحن في هذا المقام اليد البيضاء للدعوة السلفية في المغرب، ودورها الرائد في التصدي للتشيع والرفض، فقد وقفت هذه الدعوة المنتسبة إلى خير القرون بالدفاع عن حياض السنة في هذا البلد، ووقفت حاجزا منيعا في وجه الروافض ودعاتهم، عن طريق الكتاب والشريط، والمواعظ والدروس، والمحاضرات والندوات، وَعْيا منها بخطورة هذه النحلة على عقيدة أهل السنة ووحدة البلد وتماسكه، وحتى بعض الجماعات الإسلامية التي نالت منها هذه اللوثة العقدية، بالطعن في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان، كان موقف الدعوة السلفية من انحرافها هذا واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار.
فإذا كان العالم قد صار قرية صغيرة، وأصبحت المعلومة من الصعب إخفاؤها أو حجبها، فإن تحصين الفرد والمجتمع ضد أي فكر منحرف أو سلوك مشين، لن يتأتى أبدا إلا بالتربية الصحيحة وفق كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو الدور الذي كانت تقوم به دور القرآن في المغرب خير قيام، فمتى نعي هذا؟ ومتى نصحح الخطأ ونرفع الظلم الذي وقع على الجمعيات والكتاتيب التي طالها قرار المنع والإغلاق المجحف؟