كلمة العدد

حرب تتلوها حرب، وهزيمة تتلوها هزيمة، ودمار ينذر بدمار أكبر منه، وعندما يرتاح العدو ليعاود التقتيل، نقوم نحن بجمع أشلاء أطفالنا، وندفن قتلانا، فيخطب فينا بائعوا الكلام ليخدِّرونا بقولهم إن جيش العدو قد هزم وأن أسطورة الجيش الذي لا يقهر قد سقطت، وعندما نقلب البصر في صفوفنا، لا نرى إلا التنازع والجري وراء المصالح، شعوب تريد المقاطعة والمقاومة، وحكومات تريد التطبيع والانفتاح بمعنى الانبطاح.
لقد بدأ التطبيع منذ ألغيت الخلافة الإسلامية ووقف أتاتورك أب العلمانيين في البلاد الإسلامية يقول وهو يفتتح جلسة البرلمان التركي عام 1923 م: “نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون”، قال هذا الكلام قبل أن ينفذ ما أملته عليه بريطانيا، وفي (27 رجب 1342هـ = 3 مارس 1924م) ألغى مصطفى كمال الملقب بأتاتورك الخلافة العثمانية، وطرد الخليفة وأسرته من البلاد، وألغى وزارتي الأوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، وأعلن أن تركيا دولة علمانية، وأغلق كثيرًا من المساجد، وحوّل مسجد آيا صوفيا الشهير إلى متحف، وجعل الأذان باللغة التركية، واستخدم الأبجدية اللاتينية في كتابة اللغة التركية بدلاً من الأبجدية العربية.
وبعد سقوط الخلافة، دعمت الدول المستعمرة التي اقتسمت فيما بينها كل العالم الإسلامي ربيبتها وصنيعتها نبتة السوء العلمانية، فما بقي بلد مسلم إلا واستولى عليه العلمانيون تحت شعار الاشتراكية والبعث ثم القومية، وصُنِعت الرموز وأشعلت الحروب، ورفعت الشعارات، والحصيلة نكبات ونكسات وهزائم، وفي كل مرة نجمع أشلاء أبنائنا وندفن قتلانا، وتتجذر الهزيمة في نفوس الأجيال.
العلمانيون مصرون على أن نضع أيدينا في يد الغرب وأن ننفتح على الآخر دون قيد أو شرط، وأن نقبله كما هو وأن ننبذ العنف والكراهية تجاهه، وأمريكا تتفهم تصرفات الكيان الصهيوني، بل وتعطيه الحق في تتبع ومعاقبة كل من يمس بأمنه، وتقول للمعتدى عليه لا بد أن تضبط نفسك.
وعندما يريد ساساتنا أن يكذبوا على أنفسهم باستصدار قرار يدين العدو ويخفض نسبة الاحتقان لدى شعوبهم، تستعمل أمريكا راعية السلام حق الفيتو الذي منحته نفسها، لتمعن في إذلال الحكام والمحكومين.
وتكبر المعاناة حتى تقض المضاجع، عندما ينادي العلمانيون وسط هذا الزخم من الذل والهوان، أن الحل مثلا في المغرب يكمن في اقتفاء أثر الغرب والعمل بمشوراته، حتى لا يقطع عنا قروضه، فنموت جوعا ونتعرض للسكتة القلبية التي تجنبناها عندما استدعينا حكومة التناوب، فماذا عملت حكومة التناوب؟
لقد كنا نشكو من ضعف القلب، فأصبحنا بعد أن وزعت أهم الحقائب الوزارية على الاشتراكيين نشكو من داء فقدان المناعة، فخير لنا أن نموت بالسكتة القلبية، من أن نموت بالأمراض التي ينشرها السياح الشواذ والسحاقيات وعبدة الشياطين في مهرجانات أصيلة وغيرها.
وصدق المتنبي إذ قال:
وطعم الموت في أمر حقير*** كطعم الموت في أمر عظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *