تقرر عند أولي الفضل والعلم، أن الشريعة موضوعة لإخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدا لله، وصح تحذيره صلى الله عليه وسلم من مطاوعة الهوى ومن البدع، أخرج مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: “أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد، وشر الأمور محدثاثها، وكل بدعة ضلالة”.
وتقرر أيضا أن الطريق إلى الله عز وجل، يظل مسدودا بغير الكتاب والسنة، إذ جُعِلَ معين الحياة والوصول والحكمة فيهما، وبإحراز الحكمة تبوأ الربانيون مقام شرف وأمر، نفذوا عبره الأحكام، قال سبحانه وتعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء”، وقال سبحانه وتعالى: “نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء”، قال الإمام مالك: “أي بالعلم”.
وفي قوله عز وجل “يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ” قال مجاهد: “ليس بالنبوة ولكن العلم والفقه والقرآن”، وعنه صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في إثنتين، رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها” متفق عليه.
يتبين إذا أن من سلك سبيل العلم وفقه الأصول وانصاع للسنة، اهتدى واستقام، ومن اتبع السبل وما تتلوا الشياطين، حُرِمَ الوصول وضل وهام.
قال الناظم:
و بعد فالعلم بحور زاخرة *** لن يبلغ الكادح فيها آخره
لكن في أصوله تسهيلا *** لنيله فاحرص تجد سبيلا
اغتنم القواعد الأصول *** فمن تَفُتْهُ يُحْرَمِ الوصول
وفي تفسير قوله عز وجل: “وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُل” قال مجاهد: “أي البدع والشبهات”.
عُلِمَ من كل ذلك أن ردَّ المخالفات أصل من أصول الدين، سنه لنا السلف الصالح الذين اشتد نكيرهم على البدعة، وكانوا إذا ظهرت ردوها ولم يداهنوا أهلها، وبنوا منهجهم على مقارعة شبه أهل الضلال بالحجة والبيان.
قال الشافعي: “أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
قال الإمام أحمد عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته وذهبوا إلى رأي سفيان، علما أن سفيان جبل من جبال الحفظ وعلم من أعلام السنة “لذا نلاحظ أنه من شدة حرص علماء الأثر على السنة أنهم يتنصلون من القول بالقياس، وإن كان جاريا على الطريقة، وحكى بعضهم عن الاستحسان فقال تسعة أعشار العلم ولا يكاد المغرق في القياس إلا يفارق السنة.
لا شك أن الجهل بالنصوص والتعصب للأشخاص هي أهم أسباب البدع والسلامة من ذلك -بعد حفظ الله تعالى- في مجالسة العلماء الربانيين والأخذ عنهم، مع تحري السنن ومعرفة الدليل، إذ الحق يعرف بالدليل لا بالرجال.
نسائل الآن في هذا الصدد بعض أخواتنا وإخواننا الذين يذكرون الله عز وجل بعدد معين: ثلاثة آلاف مرة أو أربعة آلاف مرة، أو يعقدون رباطات أربعينية أو يحجون إلى مواسم ومزارات لم ينزل الله بها من سلطان، هل سألتم نفسكم مرة وقلتم: هل ورد هذا الفعل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما هو الدليل المعتبر الصحيح على ذلك؟
إن تقيد فهم الخلف بفهم السلف، أو فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة فيه العصمة والنجاة من الاختلاف، وبراءة الذمة يوم العرض على رب العباد.
قال الإمام أحمد: “أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المعتقد والتعبد”.
إن الإسلام في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم، وما كان عليه سلفها من أهل القرون الثلاثة، المشهود لهم بالخيرية، على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم، ولهذا الأصل نظائر من الكتاب والسنة. (انظر كتاب ست ذرر من أصول أهل الأثر للعلامة ابن باديس رحمه الله تعالى).