أصبحت خرجات الدكتور مصطفى بوهندي الإعلامية المثيرة للجدل تتوالى الواحدة تلو الأخرى، فبعد أن وصف القرآن الكريم أنه ليس مُعجزا لغويا وأن لغته عادية، وأنكر النسخ، وجحد فريضة الحجاب، واستهان بمناهج المفسرين وبكتب السنة، وطعن في عصمة الأنبياء والمرسلين، وشكك في عدالة الصحابة، واتهم الصحابي الجليل أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه صراحةً بالكذب، وطعن في الإمام مالك، ظهر وحيد عصره وفريد زمانه هذه المرة ليجيز التحول الجنسي، نعم ليجيز التحول الجنسي!
فقد أعدت مجلة سيتادين، المجلة التي تعمل على تغريب المرأة المغربية، ونشر ثقافة العري والتهتك، والتمكين للثقافة الغربية في مجتمعنا، أعدت ملفا حول التحول الجنسي، ناقشت فيه الظاهرة، وحاولت أن تشرك عددا من “المختصين” في المجال الطبي والنفسي والقانوني والديني أيضا، ولأن توجه المجلة معلوم فقد استضافت من سيخدم توجهها، وخصصت للمفتي الدكتور بوهندي عمودا ليبرز من خلاله رأي الدين -حسب زعمها- في المسألة، وما دام مطلوب كل علماني موجودا وجاهزا لدى الدكتور سارعت المجلة إلى الاستنارة برأيه!
فبعد أن ذكر تقديس اليهود لمفهوم الجسد واعتبارهم إياه معبدا مقدسا، وتأكيد التوراة على عدم تشبه جنس بآخر، وعدم اهتمام مذاهب أخرى كالإشراقية والروحية بالجسد إطلاقا، واعتبرته جزء من متاع الدنيا، ذكر أن “تغيير جنس الإنسان من ذكر إلى أنثى أو العكس لا يعتبر تطاولا على هذا الجسد أو تبديلا لخلق الله، فليس عيبا أن يتحول الذكر إلى أنثى، وليس عيبا أيضا أن تتحول الأنثى إلى رجل، بل العيب هو أن يعيش الإنسان في غير جسده الذي يحس”. مجلة سيتادين العدد 23 بتاريخ 23 نونبر 2008.
وحاول بوهندي أن يجد مستندا لقوله هذا في أقوال الفقهاء بخصوص أحكام الخنثى، علما أن موضوع الخنثى يختلف تماما عن موضوع التحول الجنسي، فالخنثى الذي يعرفه الفقهاء بأنه: الآدمي الذي له آلة ذكر وآلة أنثى، أو شيء لا يشبه واحدا منهما، والذي يعرفه الأطباء: بأنه الشخص الذي تكون أعضاؤه الجنسية الظاهرة غامضة، فالتدخل الجراحي في مثل هذا النوع إنما يكون لإزالة تشوه خَـلْـقي قائم، وهو من قبيل تَبين أو تثبيت الجنس، وليس تبديلا أو تصحيحا كما تسميه المنابر العلمانية تعتيما.
فما علاقة هذا النوع بالتحول الجنسي المفضي إلى اللواط أو السحاق، فالخنثى تشمل من اكتمل خَـلْـقـُـه واستبانت أعضاؤه الدالة على جنسه، أما التحول الجنسي فهو تغيير وتبديل لخلق الله تعالى.
فالله عز وجل خلق الإنسان “فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى” فلم يخلق من البشر إلا هذين الجنسين، قال تعالى: “وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى”، قال الجصاص في أحكام القرآن: “لما كان قوله: “الذَّكَرَ وَالأنْثَى” اسماً للجنسين، استوعب الجميع، وهذا يدل على أنه لا يخلو من أن يكون ذكراً أو أنثى، وأن الخنثى وإن اشتبه علينا أمره فإنه لا يخلو من أحدهما”اهـ
ثم ألا يعلم الدكتور “المبجل”، مدرس الدين فقهَ المفتي والمستفتي؟
ألا يَعلم من هي المجلة التي خصصت له عمودا ليبدي رأي الدين من خلاله؟
وهل الملف الذي أعدته المجلة يخص التحول الجنسي أم الخنثى؟
ألا يُعتبر الخلط بين الخنثى والشذوذ مغالطة كبيرة، وتدليسا خطيرا على الرأي العام؟
فمن خلال مجموع الفتاوى التي صرح بها بوهندي ندرك أنه أصبح الغطاء الديني والمفتي الرسمي للمنابر العلمانية، فمن خلاله أصبحت هذه المنابر تستطيع أن تجد من يلف لها محاولات عبثها بالإسلام بغطاء ديني مكتوب عليه: “إنتاج دكتور متخصص في مقارنة الأديان” ليستغفل المروجون للمشاريع العلمانية من ليس لهم دراية بالعلم الشرعي، وما أكثرهم.
فكيف يسمح لمن هذا حاله أن يدرس أبناء المغاربة التفسير ومقارنة الأديان والمذاهب الدينية في جامعة بلد المذهب المالكي؟
ثم كيف تصادر أكثر من ستين جمعية تعنى بحفيظ القرآن الكريم بتهمة فتوى الدكتور المغراوي في زواج الصغيرة، وتلحق كلها بشخصه، في الوقت الذي يسكت فيه عن مصطفى بوهندي الذي أتى بالطوام والعظائم المنافية للثوابت والقيم والأخلاق، ويقدم إلى المغاربة في القنوات التي تمول بالضرائب المفروضة عليهم ليشوه دينهم ويعبث بأحكام شريعتهم؟