متى يستر فاعل المنكر؟

كل من قارف منكرا عند المالكية واستتر به ولم يجاهر به علانية وجب وعظه والستر عليه رجاء توبته وإنابته.
قرر العقباني في تحفة الناظر (100) أن الستر عليه أولى وأحق بالندب والقُربة، لكن ينبغي له أن يتقدم له بالملامة بالحكمة والموعظة الحسنة، لعله يقوده بذلك لسبيل التوبة وعدم العودة.
وإن كان الذي واقعَ ذلك من المتجاهرين المنتهكين الحُرُمَ بعدم المبالاة بالافتضاح، وسقوط مائية الوجه بفقد الاحتشام، والاستخفاف بالاطلاع عليه والازدراء بمن شاهده، فأداء الشهادة وإقامتها لله في حقه أولى وآكد ليناله من حدود الله وزواجره ما يوقظه لحفظ شعائره وتعظيم نواهيه وأوامره. فيرتدع عن الاستهانة بمحارمه وينصرف عن الاستظهار بما لابس من فسقه وجرائمه.
والفرق بين هذا والأول أن من استخف باطلاع الناس على خبائثه وفواحشه قد خرق حجاب الهيبة بينه وبين ربه، وهدم حمى الشريعة القائم بينه وبين خلقه، وذلك أعظم منكرا مما واقع، وخطيئة أفحش مما لابس.
أما من يحضر مجالس المنكر ونوادي الفسق والفجور وإن لم يشارك فيها فقد بين علماؤنا رحمهم الله تعالى حكمه، قال العقباني في تحفة الناظر (102): ثم اعلم أن من حضر مواطن المجان ومواضع الشراب والفساق ولم يفعل فعلهم، لا يسلم من العقوبة، إن ظُهر عليه معهم.
إذ هو كالآلة لهم، ومن كثر سواد قوم فهو منهم.
فقد وقع في سماع أبي زيد ابن أبي الغمر من ابن القاسم: وسئل عن رجل يؤخذ مع المرأة في بيت واحد، وهما متهمان؟ قال: يضربان ضربا جيدا وجيعا. قيل له: بثيابهما؟ قال: لا بل على حال تضرب الحدود.
قال ابن رشد رحمه الله في البيان والتحصيل (16/349): هذا بين على ما قاله، وكذلك قال مالك في الذي يوجد مع قوم يشربون الخمر، وهو لا يشرب، إنه يؤدب، وإن قال: إني صائم، ولا يلتفت إلى قوله. (تغيير المنكر عند المالكية، للأستاذ مصطفى باحو).
فكيف إذا اطلع هؤلاء العلماء المالكية على زماننا ورأوا فشوَّ شرب الخمور وتعاطي المخدرات وانتشار البغاء ومهرجانات الغناء والرقص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *