الجيش المغربي وما آل إليه من ضعف وهوان

بعد وفاة الرجل القوي الذي حكم البلاد بحزم احماد بن موسى، وقيام ثورة أبي حمارة التي أنهكت الجيش، انتهى الأمر به إلى الضعف ولم يعد في مستوى مواجهة الجيش الفرنسي، بعدما عجز عن قمع حركة الدجال أبو حمارة، الأمر الذي يعكس بوضوح التمزيق الذي كان يعيشه الجيش زمن السلطان عبد العزيز والذي هو نتاج الصراع بين مختلف العناصر الأوربية منذ عهد المولى الحسن حيث أدى ذلك الخليط من الأجانب إلى تحطيمه وانهياره:

كان عدد الجيش الممزق بأنواع الضباط الإنجليز والألمان والفرنسيين والأسبان والإيطاليين والأتراك، قد أصبح عدده في هذه المرحلة لا يتجاوز الثلاثين ألفا بما فيهم العشرة ألاف التي كان يستنفرها السلطان بواسطة العمال، وهؤلاء أصبحت تحوم الريبة حولهم بسبب التذمر العام الذي انتشر ضد خليط الأجانب الذين كشفهم الأحرار من الترك من جانب، ثم حركة طلبة ابن يوسف التي ظهرت بدعوتها ضد الفرنسيين ولصالح الانقلاب الحفيظي الذي سيتجند له بعض علماء القرويين كذلك.
أما الجيش النظامي فهو عبارة عن حرس تعداده 400 وجيش مسرح تعداده عشرة ألاف وفرقة من الخيالة تعدادها 2800 وأسلحة الجميع من الطراز القديم، بنادق “ونشستر” التي حلت مكان بنادق بوحبّة إلى جانب السلاح الأبيض، وهو عبارة عن سيف ذو حد مستقيم تقريبا ومقبض مصنوع من قرن الحيوان، وله جراب من الخشب مغطى بجلد احمر كما كانوا أيضا يتسلحون بالخناجر، مما جعلهم ينهزمون أمام جيوش أبي حمارة التي كانت مزودة من فرنسا بالأسلحة الحديثة والضباط الحاذقين، بل إن الجنود المغاربة أصبحوا عبارة عن لا شيء يستوجب الإهتمام، لأنهم تحولوا إلى مرقعة مهلهلة تجلب لصاحبها السخرية والازدراء، وذلك ما تجند له مختلف الأنواع من الضباط الذين جلبهم المولى الحسن حسب سلامة طويته حتى يبعد التنافس الحاقد كما ظهر له أن يتصور رحمه الله.
وأما في البحر فإن المغرب وقتها لم يكن يتوفر على غير “طوربيد” من الفولاذ طوله 70 مترا وعرضه 10 أمتار وحمولته 1200 طن، وقوته البخارية تعادل 1200 حصانا بخاريا وسرعة في الساعة 18 عقدة وبه 10 مدافع من 12 سنتيمتر، ثم مركب آخر طوله 37 مترا وعرضه 11 مترا وحمولته 1164 طنا، وقوة آلاته 400 حصانا بخاريا وسرعة سيره نحو 10 عقد، ومعنى هذا أن المغرب وقد أصبح مهددا بالغزو الفرنسي وفتنة أبو حمارة، لم يعد له من القوة العسكرية وقتها إلا إعلان الجهاد.
ولقد كانت فرنسا تحسب لإعلان الجهاد ألف حساب، لأنها كانت تعرف بواسطة جواسيسها الذين اندسوا عسكريين ومدنيين، مدى استجابة الشعب لنداء الجهاد إن هو وجد القائد الرائد، وهذا ما كان أيضا يدرك أبعاده دعاة البيعة للمولى عبد الحفيظ الذين كانوا يشيعون في منطقة الشاوية وعبدة أن بيعة عبد الحفيظ العالم الخبير الناقم على الوضع هي من أجل إنقاذ البلاد.
عن كتاب “التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير” بتصرف يسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *