من فقه البيوع النوع الثالث من البيوع المحرمة: بيوع الربا (الحلقة الثانية) مقارنة بين الربا والصدقة ياسين رخصي

تحدثنا في الحلقة الماضية عن حكم الربا وخطره وما ورد فيه من الوعيد الشديد، والحق أن هذا النوع من المعاملات يستدعي كثيرا من الاهتمام، وذلك لعظم ضرره وبالغ خطره، وكثرة الوقوع فيه خصوصا في هذه الأزمان التي طغى فيها حب المال، واستولى الطمع والجشع على قلوب كثير من الناس، فحقيق بكل غيور على هذا الدين، ناصح لإخوانه المسلمين أن يحذرهم وينذرهم شر هذا البلاء العظيم، وحقيق بالدعاة الصادقين المصلحين أن يسخروا أقلامهم ويضمنوا كلماتهم ومحاضراتهم بيان خطر هذا الداء العضال، إعذارا إلى الله وامتثالا لما أمر به من النصح والبيان.
وسيكون حديثنا في هذه الحلقة عن مسألتين اثنتين، وهما:
1- مقارنة بين الربا والصدقة.
2- مقارنة بين الربا والميسر.
أولا: مقارنة بين الربا والصدقة
“قد جعل الله سبحانه الربا ضد الصدقة، فالمرابي ضد المتصدق:
قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}(1)، وقال تعالى: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}(2)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(3)، ثم ذكر الجنة التي أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء.
فالمتصدق ضد المرابي، لأن المتصدق يحسن إلى الناس والمرابي يظلم الناس، ولهذا قال سبحانه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}(4).
وهكذا تساق آيات الربا بعد آيات الصدقة في القرآن لما بين المتصدقين والمرابين من التضاد، ليتفكر المسلم في صفات الفريقين وجزاء كل منهما، وليقارن بين آثارهما على المجتمع:
فالمتصدق يعطي المال بغير عوض يقابله، والمرابي يأخذ المال بغير عوض يقابله.
المتصدق يوسع على المحتاجين ويفرج كرب المكروبين، والمرابي يضيق على المحتاجين وينتهز فرصة عوزهم ليثقلهم بالديون فيزيدهم كربة إلى كربتهم.
المتصدق قد وقاه الله شح نفسه فانتصر عليها، والمرابي قد تملكه الجشع وأهلكه الشح كما أهلك من قبله فاستحل محارم الله بأدنى الحيل”(5).
ثانيا: مقارنة بين الربا والميسر
قال شيخ الإسلام: “وتحريم الربا أشد من تحريم الميسر ـوهو القمارـ لأن المرابي قد أخذ فضلا محققا من محتاج، أما المقامر قد يحصل له فضل وقد لا يحصل له.
فالربا ظلم محقق، لأن فيه تسليط الغني على الفقير بخلاف القمار، فإنه قد يأخذ فيه الفقير من الغني، وقد يكون المتقامران متساويان في الغنى والفقر، فهو وإن كان أكلا للمال بالباطل وهو محرم، فليس فيه من ظلم المحتاج وضرره ما في الربا، ومعلوم أن ظلم المحتاج أعظم من ظلم غير المحتاج”(6).
وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة البقرة: 276.
(2)- سورة الروم: 39.
(3)- سورة آل عمران: 130-131.
(4)- سورة البقرة: 274-275.
(5)- أنظر فقه وفتاوى البيوع جمع أشرف بن عبد المقصود (154-155).
(6)- مجموع الفتاوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *