من مميزات منهج السلف لا يضمنون الجنة لأنفسهم ولا لغيرهم نور الدين درواش

لقد تقرر عند أهل السنة والجماعة، وأتباع منهج السلف، أنه لا يجوز القطع لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار، وإنما يُرجى للمحسن ويُخاف على المسيء.

قال شيخ الإسلام: “ولهذا لا يشهد لمعين بالجنة إلا بدليل خاص، ولا يشهد على معين بالنار إلا بدليل خاص، ولا يشهد لهم بمجرد الظن من اندراجهم في العموم لأنه قد يندرج في العمومين فيستحق الثواب والعقاب لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
والعبد إذا اجتمع له سيئات وحسنات فإنه وإن استحق العقاب على سيئاته فإن الله يثيبه على حسناته، ولا يحبط حسنات المؤمن لأجل ما صدر منه، وإنما يقول بحبوط الحسنات كلها بالكبيرة الخوارج والمعتزلة، الذين يقولون بتخليد أهل الكبائر وأنهم لا يخرجون منها بشفاعة ولا غيرها” مجموع الفتاوى35/68.
وممن خالف أهل السنة في هذا المتصوفة، الذين يزعمون ضمان الجنة لأتباعهم ومريديهم، وحاملي أورادهم؛ ومنهم التيجانية.
قال الشيخ عبد الرحمن الإفريقي في رسالته (الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية ص: 25-26): “قال في جواهر المعاني( ) [ص:170]: “من حصل له النظر فينا يوم الجمعة أو الإثنين يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب” وفي بغية المستفيد: “ولو كان كافرا يُختم له بالإيمان”.
ثم قال الشيخ عبد الرحمن معقبا: “أنظر يا أخي إلى سخافة هذا القول وجرأته، قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} جعل نفسه أفضل من الأنبياء، فقد قعد رسول الله مع عمه أبي طالب سنين ومع ذلك مات كافرا، ونظر أبو جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك مات كافرا، ومات ابن نوح عليه السلام كافرا، ومات أبو إبراهيم عليه السلام كافرا، ولم ينفع أحدا منهم نظر ولا صحبة” اهـ.
قال الدكتور تقي الدين الهلالي رحمه الله: “لا يستطيع أحد أن يعتقد هذا الخبر إلا إذا تجرد من العقل والدين والمروءة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الزخرف [الآية: 72]: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. ورؤية الشيخ ليست من العمل في شيء؛ ولم يثبت هذا للنبي صلى الله عليه وسلم بقرآن ولا حديث صحيح أو ضعيف؛ فإن الكفار والمنافقين كانوا يرونه كل يوم ولم ينفعهم ذلك فلا أنجاهم من عذاب الله؛ ولا جعلهم من أهل الجنة؛ بل دعاؤه لهـم أخبر الله تعالى أنه لا ينفعهم، قـال الله تعالـى في سورة التوبـة [الآية: 80]: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}…” الهدية الهادية ص:75.
وقال صاحب كتاب “رماح حزب الرحيم [1/182]”: (رأيت شيخنا التيجاني رضي الله عنه وأرضاه -وعنا به- في واقعة من الوقائع، وبيده حلة من نور، وقال لي رضي الله عنه وأرضاه -وعنا به- : “من رأى هذه الحلة دخل الجنة. ثم ألبسني إياها رضي الله عنه) اهـ.
فما هذا الهراء، وما هذه الحماقة؟؟
من رأى حلة دخل الجنة؟!
فعن أبي هريرة ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال: قام رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏حين أنزل الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}.
قال: “يا معشر ‏ ‏قريش، ‏ ‏أو كلمة نحوها ‏ ‏اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا.
يا ‏بني عبد مناف؛ ‏ ‏لا أغني عنكم من الله شيئا.
يا ‏عباس بن عبد المطلب؛ لا أغني عنك من الله شيئا.
ويا ‏ ‏صفية عمة رسول الله؛ لا أغني عنك من الله شيئا.
ويا ‏ ‏فاطمة بنت محمد؛‏ ‏سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا” متفق عليه.
قال أبو حيان في تفسير قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ} [الأنعام:59]: “ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى الصوف أشياء من ادعاء علم المغيبات والإطلاع على علم عواقب أتباعهم، وأنهم معهم في الجنة مقطوع لهم ولأتباعهم بها، يخبرون بذلك على رؤوس المنابر ولا ينكر ذلك أحد، هذا مع خلوِّهم عن العلوم يوهمون أنهم يعلمون الغيب”.
وقال قتادة فيما أسنده الطبري إليه عند تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}: “فما بال أقوام يتكلَّفون علم الناس؟ فلانٌ في الجنة وفلان في النار! فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري! لعمري أنتَ بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفتَ شيئا ما تكلفته الأنبياء قبلك! قال نبي الله نوح عليه السلام: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، [الشعراء:112]، وقال نبي الله شعيب عليه السلام: {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [هود: 86]، وقال الله لنبيه عليه السلام: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101]”.
قال التوحيدي بعد نقله لكلام قتادة: “فلو عاش قتادة إلى هذا العصر -الذي هو قرن ثمانمائة- وسمع ما أحدث هؤلاء المنسوبون إلى الصوف، من الدعاوى والكلام المبهرج الذي لا يرجع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على الإخبار الكاذب عن المغيبات، لقضى من ذلك العجب. وما كنت أظن أنّ مثل ما حكى قتادة يقع في ذلك الزمان لقربه من الصحابة وكثرة الخير، لكن شياطين الإنس يبعد أن يخلو منهم زمان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *