ثلاث خصال
ثلاثة تضر بأربابها: الإفراط في الأكل اتكالاً على الصحة، والتفريط في العمل اتكالاً على القدر، وتكلف ما لا يطاق اتكالاً على القوة.
ثلاثة من لم تكن فيه لم يجد طعم الإيمان: حلم يرد به جهل الجاهل، وورع يحجزه عن المحارم، وخلق يداري به الناس.
ثلاثة من كن فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، ومن إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الظلم، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له.
ثلاثة هن للكافر مثلهن للمسلم: من استشارك فانصحه، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه، ومن كان بينك وبينه رحم فصلها.
ثلاثة تزيد في الأنس بين الإخوان: الزيارة في الرجال، والحديث على المائدة، ومعرفة الأهل والحشم.
تعب العاقل واستراحة الجاهل
قيل لحكيم: من أنعم الناس عيشاً؟ فقال: من كفى أمر دنياه ولم يهتم لأمر آخرته.
أبو علي كاتب بكر:
من رزق الحمق فذو نعمة *** آثـــارها واضـــحة ظـاهــره
يحط ثقل المرء عن نفسـه *** والفكر في الدنيا وفي الآخرة
وقال آخر:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ذم من يجهل نفسه
قال أبو علي الوراق: آفة الناس قلة معرفتهم بقدر أنفسهم. قيل لبزر جمهر: أي العيوب أعظم؟ قال: قلة معرفة المرء بنفسه، قال المتنبي:
ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى
النهي عن الركون إلى النفس
قال الجنيد رحمه الله: لا تسكن إلى نفسك وإن دامت طاعتها، فإن لها خدائع وإن سكنت إليها كنت مخدوعاً.
وقيل: من رضي عن نفسه سخط الناس عليه.
ماهية الحزم والعزم
قال عبد الملك لعمر بن عبد العزيز: ما العزيمة في الأمر؟ قال: إصداره إذا ورد بالحزم. فقال: وهل بينهما فرق؟ قال: نعم أما سمعت قول الشاعر:
ليست تكون عزيمة ما لم يكن معها من الرأي المشيد رافع
فقال: لله درك عشتُ دهراً وما أرى بينهما فرقاً.
وقيل لبعضهم: ما الحزم؟ قال: التفكر في العواقب.
تسلية وترويح
الحب لا يكون نسيئة
قال الرشيد لبهلول: من أحب الناس إليك؟ قال: من أشبع بطني.
قال: فأنا أشبع بطنك فأحببني. قال: الحب لا يكون نسيئة.
القاضي النطَّاح
روى ابن إياس في تاريخه “بدائع الزهور في وقائع الدهور” في سيرة الحاكم بأمر الله الفاطمي أنَّ قاضيا من قضاته صنع قلنسوة، وركَّب فيها قرني بقرة، فإذا لم يعجبه قول أحد الخصمين لبس قلنسوته، وقام من مجلسه، وواجه الخصم، وأخذ ينطحه بالقرنين نطحًا موجعًا، وشهر بين الناس بلقب “القاضي النطَّاح”.
ولَمَّا بلغ الحاكم خبره، أرسل إليه ولامه على فعله، وأنَّه أهان القضاء، وانتقص من هيبة القاضي، وعرَّض مكان العدل للسخرية والاستهزاء.
فقال القاضي للحاكم: لو حضرت مجلسي، وجلست من خلف ستارة، ترى وتسمع، ولا يراك أحد، ربَّما وجدت لي عذرًا، فاحضر، ثمَّ احكم.
وفي يوم من الأيَّام حضر الحاكم مجلس القضاء، واستتر عن الخصوم، وحضر رجلان، قال أحدهما للقاضي إنَّ لي عند هذا الرجل مائة دينار، ومَطَلَنِي حقِّي.
وسأل القاضي الرجل الثاني: أأنت مدين لهذا الرجل بمائة دينار؟ قال: نعم.
ـ متى تدفعها له؟
ـ لا يمكنني سدادها دفعة واحدة، وإنَّما على دفعات.
ـ لا بأس، أتستطيع سداد عشرة دنانير في كل الشهر؟
ـ لا هذا كثير، لا أستطيع.
ـ خمسةَ دنانير؟
ـ لا هذا كثير، لا أستطيع.
ـ دينارًا واحدًا؟
ـ لا هذا كثير، لا أستطيع.
ـ نصفَ دينار؟
ـ لا هذا كثير، لا أستطيع.
ـ كم تستطيع أنْ تدفع إذن؟
ـ أستطيع سداد 300 درهم في السنة، وبشرط أنْ تضع صاحب المال في السجن لكي أعرف مكانه، فإذا توفَّر المبلغ معي عرفت مكانه، فدفعته إليه؛ لأنَّني أخشى إذا كان معي المال، وليس محبوسًا ألاَّ أعرف مكانه، فلا أتمكَّن من الوصول إليه.
عندما سمع الحاكم هذا الحوار، برز من مجلسه، واتَّجه إلى القاضي قائلاً: إن لم تنطحه أنت نطحته أنا؟