السلطان العلوي المولى سليمان يحذر أمته من خطر التعلق بالقبور وينبؤهم بحكم الاحتفال بالمواسم وشد الرحال إلى الأضرحة

..لا يتقرب إلى مالك النواصي بالبدع والمعاصي، بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون والأتقياء المفلحون، بكل حلال، وقيام الليالي، ومجاهدة النفس في حفظ الأحوال، بالأفعال والأقوال، البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهتدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خلق القرآن يحدى، وصلاة وصيام، واجتناب مواقع الآثام، وبيع النفس والمال من الله {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة:111).

..نرثي لغفلتكم وعدم إحسانكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا الله إسراركم وإعلانكم.

واعلموا أن الله بمحض فضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعا، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، بما هو صراح كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقراء، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} (الكهف:103).
وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، وشيمة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال، زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من (عساوة وجلالة) وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يرتقبون للهوهم الساعات، وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات.
وكل ذلك حرام ممنوع، الإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع.
فأنشدكم الله عباد الله هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة عمه سيد الشهداء موسما، وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر لسيد الرسل صلوات الله عليه وعلى جميع الأصحاب والآل موسما؟ وهل فعل عمر لأبي بكر موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من التابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ثم أنشدكم الله هل حرمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المساجد، أو زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد.
وكأني بكم تقولون في نحو المواسم المذكورة، وزخرفة أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع، حسبنا الاقتداء والاتباع، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} (الزخرف:22).
وهذه المقالة قالها الجاحدون، هيهات هيهات لما توعدون، وقد رد الله مقالهم، ووبخهم وما أقالهم.
فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين، وأهل الصلاح والدين، (خير القرون: الحديث)، وبالضرورة إنه لن يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، فقد نص رسول الله صلى عليه وسلم، وعقد الدين قد سجل، ووعد الله بإكماله قد عجل، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة:3).
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الجادة ، فلا تميلوا بالناس يمينا ولا شمالا).
فليس في دين الله، ولا فيما شرع نبي الله، أن يتقرب لله بغناء وشطح، والذكر الذي أمر الله به، وحث عليه ومدح الذاكرين به، هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد، فهذه سنة السلف وطريقة صالحي الخلف، فمن قال بغير طريقهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع، {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) الآية ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ ﴾ [يوسف:108] الآية.
فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع أأمنا من مكر الله، أتلبيسا على عباد الله، أمنابذة لمن النواصي في يديه، أم غرورا بمن الرجوع بعد إليه.
فتوبوا واعتبروا وغيروا المناكر واستغفروا، فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع مابين العاصي والمداهن المطيع.
أفيزلكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم، أم كيف يضلكم وسنة نبيه تناديكم، فتوبوا إلى رب الأرباب، {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} (الزمر:54).
ومن أراد منكم التقرب بصدقة أو وفق لمعروف إطعام أو نفقة، فعلى من ذكر الله في كتابه، ووعد فيهم بجزيل ثوابه، كذوي الضرورة الغير الخافية، والمرضى الذين لستم بأولى منهم بالعافية، ففي مثل هذا تسد الذرائع، وفيه تمثل أوامر الشرائع {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء} (التوبة:60).
ولا يتقرب إلى مالك النواصي بالبدع والمعاصي، بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون والأتقياء المفلحون، بكل حلال، وقيام الليالي، ومجاهدة النفس في حفظ الأحوال، بالأفعال والأقوال، البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهتدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خلق القرآن يحدى، وصلاة وصيام، واجتناب مواقع الآثام، وبيع النفس والمال من الله {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة:111).
{وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ} (البقرة:177) الآية ﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾ [الأنعام:153] الآية.
الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسول الله، وليس الصراط كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث، وتغيير الأحكام الشرعية بالبدع والأحداث، والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص، {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} (فاطر:8) الآية.
عن المقدام بن معدي كرب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يجاء بالرجل يوم القيامة وبين يديه راية يحملها، وأناس يتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} (البقرة:166) الآية.
فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان والخلائف أن يمنعوا هؤلاء الطوائف من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يدين لله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم، فإياكم ثم إياكم والبدع، فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والسكوت على المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية.
فمن المنقول على الملل، والمشهور في الأواخر والأوائل، أن البدع والمناكر إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلات، وشحت السماء وسبحت النقماء، وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقصت بركة الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طريق الفوائد، والأدب مع الله ثلاثة:
1- حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع.
2– رعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع.
3- مراعاتها في الضيق والاتساع، لاما يفعله اليوم هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ} (آل عمران:31) الآية.
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلام موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا، فقال: أوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة لمن وليكم وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وها نحن عباد الله أرشدناكم وحذرناكم وأنذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63] … الآية. إلى آخر المرسوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *