حكم ومواعظ

قال الحسن البصري: إنا لو اتعظنا بما علمنا، انتفعنا بما عملنا، ولكنا علمنا علماً لزمتنا فيه الحجة، وغفلنا غفلة من لا تخاف عليه النقمة، ووعظنا في أنفسنا بالتحول من حال إلى حال: من صغر إلى كبر، ومن صحة إلى سقم، فأبينا إلا المقام على الغفلة بعد لزوم الحجة، إيثاراً لعاجل لا يبقى، وإعراضاًً عن آجل إليه المصير.
وقال الحسن أيضا: أعمل كأنك ميت غداً، ولا تجمع كأنك تعيش أبداً.
قال بكر بن عبد الله المزني: المستغني عن الدنيا بالدنيا كمطفئ النار بالتبن.
وقال الثوري: إذا استوت السريرة والعلانية فذلك العدل، وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور، وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضل.
قيل لمحمد بن واسع: ألا تتكئ؟ قال: تلك جلسة الآمنين.
قال الرقاشي: سمعت الأصمعي يقول، سمعت الأعراب تنشد: البسيط
يا باري القوس برياً ليس يحكمه لا تفسد القوس أعط القوس باريها
قال الأصمعي: سمعت أعرابية تقول: إلهي، ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وأوحشه على من لم تكن أنيسه.
أوصى المخرمي: وكان ذا يسار، فقيل له: ما تكتب؟ فقال: أكتبوا: ترك فلان ما يسوءه وينوءه، مالاً يأكله وارثه، ويبقى عليه وزره.
الذي يخفض المرء
ما يخفض المرء عُدمه ويتمه، إذا رفعه دينه وعلمه، ولا يرفعه ماله وأهله، إذا خفضه فجوره وجهله، العلم هو الأب، بل هو للثأي أرْأَب –يقال فلان يرأب الثأي أي يصلح الفساد-، والتقوى هي الأم، بل هي إلى اللبان أضم، فأحرز نفسك في حرزهما، واشدد يديك بغرزهما، يسقك الله نعمة صيّبة، ويحيك حياة طيبة.
أصلك يا ابن آدم
يا ابن آدم أصلك من صلصال كالفخار، وفيك ما لا يسعك من التيه والفخار، تارة بالأب والجد، وأخرى بالدولة والجد، ما أولاك بأن لا تصعر خديك، ولا تفتخر بجديك، تبصّر خليلي مم مركّبك، وإلى م منقلبك. فخفض من غلوائك، وخل بعض خيلائك.
دع الهوينا
خل الونى -أي الفتور والضعف-، ودع الهوينا. فالأمر مما تتوهم أهم، والخطب مما تقدر أطم، داعٍ للموت صيت، وحي لا محال له ميت. وميت منشور، وخلق محشور. وعمل محسوب، وميزان منصوب، ومجاز قادر، وكتاب لا يُغادر، وثواب وكَلَّ الراجي، وعقاب وقلَّ الناجي.
الحق والبرهان
لم أر فرسَيْ رهان، مثل الحق والبرهان. لله درهما متخاصرين (أي: بعضهم آخذ بيد بعض)، ولا عدمتهما من متناصرين. .. مَن شدّ يده بغرزهما، فقد اعتزّ بعزّهما. ومن زلّ عنهما فهو من الذلة أذل، ومن القلة أقل.
درر وفوائد
قال محرز الكاتب: اعتل عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فأمر المتوكل الفتح أن يعوده، فأتاه فقال له: أمير المؤمنين يسأل عن علتك، فقال عبيد الله: الهزج
عليـل مـن مكـانيـن *** من الإفلاس والدين
وفي هذين لي شغل *** وحسبي شغل هذين
فلما عاد إليه وأخبره الخبر وصله بمائة ألف درهم.
لقد رُميتُم بإحدى المُصْمَئِلاَّتِ
قال يموت بن المزرَّع: كان عبد الله بن يزيد الأسيدي ثم التميمي يكثر التعبُّث بعبد الله بن الجارود العبدي، وكان عبد الله بن الجارود عاملاً على البصرة من قبل سليمان بن عبد الملك، فدسَّ عبد الله بن الجارود رجالاً من عبد القيس فشهدوا على عبد الله بن يزيد بشرب الخمر، فقبض عليه وضربه الحدَّ ضرب التَّلف. فأخذ عبد الله بن يزيد يقول: ما هكذا تُقام الحدود. ثم أمر به إلى السجن، ودسَّ إليه غلاماً له فدقَّ عنقه في الحبس، وادَّعى عليه أنه مصَّ خاتماً كان في يده تحت فصِّه سمٌّ، فأنشأ الفرزدق يقول “من البسيط”:
يالَ تميمٍ ألا لله أُمُّكُمُ  *** لقد رُميتُم بإحدى المُصْمَئِلاَّتِ
(المصمئلات: الوقائع الشديدة، وأصل المصمئلة: الداهية).
في أبيات له، فوجَّه عبد الله بن الجارود مَن لَبَّب الفرزدق، وقاده إلى السجن، فلما أن كان على باب السجن قال: أيها المسلمون، أشهدكم أنه ليس في إصبعي خاتم! ونُمي الخبر إلى سليمان فعزل ابن الجارود وأشخصه إليه، فلما دخل عليه سلَّم بالخلافة، فقال له سليمان: لا سلَّم الله عليك، قتلتَ من كان خيراً منك أباً وأماً.
فقال ابن الجارود: يا أمير المؤمنين، ولَّيتمونا بلداً، ودفعتم إليناً سيفاً وسوطاً، وأمرتمونا بإقامة الحدود، فإن تهلك نفس فمن وراء الجهد. وأما قولك يا أمير المؤمنين إنه كان خيراً مني أباً وأُماً، فأما أبي فهو الجارود بن المعلَّى الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم يا جارود، قال: اضمن لي الجنة يا رسول الله، وهو الذي قال فيه عمر: لو أدركتُ سالماً مولى أبي حذيفة لم يخالجني فيه الشك، ولو أدركتُ أُعيمش عبد القيس لسلَّمتها إليه، وأمَّا أُمِّي فابنة الذي أجار أباك على علي بن أبي طالب يوم الجمل. وكان جدُّه لأمه مِسمَع بن مالك أبو مالك مِسمَع، وكان أجار مروان يوم الجمل على عليّ بن أبي طالب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *