دوافع وحدود ومجالات التجديد العلماني المزعوم لعلم التفسير

لم تكن عاطفة التدين والمحبة للإسلام هي الدافع للتجديد كما يزعمون، ولكن الدعوة للمذاهب الماركسية التقدمية كان هو الدافع لذلك، والدليل على ذلك:

قول د. حسن حنفي: “والدافع على التجديد ليس عاطفة التقديس والاحترام والتبجيل الواجبة لكل موروث ديني، بل انتساب الإنسان المجدد إلى أرض، وانتمائه إلى شعب، القضية إذن ليست قضية دينية، بل قضية اجتماعية وسياسية، أو فنية أو تاريخية” (التراث والتجديد لحسن حنفي ص:22).
ويقول د. شحرور: “إننا في منطق القرآن نصبح من المجانين المتخلفين عقليا، إذا لم نعقل مضمون الآية: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}البقرة130، لأن الحنيفية هي أساس المنهج التقدمي في العالم كله” (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، للدكتور محمد شحرور ص 205).
وهذه الأقوال توضح أن الدعوة للقومية والتقدمية وغيرها من الشعارات البراقة الخادعة التي تخفي وراءها الدعوة إلى الشيوعية والماركسية، هو أقوى شاهد على أن ما يريدونه هو هدم هذا الدين واستبداله بتلك المذاهب، وأن استخدام لفظ “التجديد” كان فقط لخداع العوام وتجنب استثارة حفيظتهم.
ثم إن العلمانيين يرومون إلى تجديد الدين كله؛ بدء من الأصول والقواعد، وانتهاء بالفروع والتطبيقات، فلا ثوابت يعترفون بها ولا عناصر جوهرية يقبلونها، ومن أمثلة الأقوال التي تعبر عن ذلك، قول د.نصر أبو زيد: “يتفق الخطاب الديني على أن النصوص الدينية قابلة لتجدد الفهم واختلاف الاجتهاد في الزمان والمكان، لكنه لا يتجاوز فهم الفقهاء لهذه الظاهرة، ولذلك يقصرها على النصوص التشريعية، دون خصوص العقائد أو القصص، وعلى هذا التحديد لمجال الاجتهاد يؤسس الخطاب الديني لمقولة صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، ويعارض إلى حد التكفير الاجتهاد في مجال العقائد أو القصص القرآني” (نقد الخطاب الديني ص:118).
ويقول في موضع آخر: “وليست ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص” (نقد الخطاب الديني ص: 118).
ويرى د.حسن حنفي أن مجال التجديد يبدأ من أصول الدين بإعادة بنائه من جديد، فيقول: “يجب تغيير تلك النظرية الموروثة طبقا لحاجات العصر، ابتداء من علم (أصول الدين) الذي يعطي الجماهير الأسس النظرية العامة، التي تحدد تصوراتنا للكون؛ وابتداء من إعادة بناء الأصول، فتغير أشكال الفروع بطبيعتها، والانتقال مثلا من العقل إلى الطبيعة، ومن الروح إلى المادة، ومن الله إلى العالم، ومن النفس إلى البدن، ومن وحدة العقيدة إلى وحدة السلوك” (التراث والتجديد ص:67).
ويرى د.شحرور أن “إغفال خاصية التطور والتجدد المستمر”جعل من التشريع الإسلامي تشريعا متزمتا متحجرا، وحجب عنا فهم أسس الشريعة الإسلامية، كما حجب عنا فهم السنة النبوية.. وبالتالي وضع أسس جديدة للتشريع الإسلامي” (الكتاب والقرآن ص:446).
المطلع على هذه الأقوال يرى بوضوح أن العلمانيين يريدون تجديد أصول الدين وأسسه بدء من عقائده وأحكامه، وهذا عن طريق نفي المفاهيم القرآنية التي يسلطون عليها مفهوم “التاريخية”، و”وقف العمل بالنص”، و”إعادة بناء الأصول”… وهذه الألفاظ تثبت أن ما يريدونه ليس تجديدا، بل نسف للشريعة والدين من أصولهما وتفريغ الدين والقرآن من محتواهما ومدلولاتهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *