يعدّ بيع الشيكات من المعاملات الشائعة بين كثير من الناس، إذ يلجأ الدائن الذي أخذ من غريمه شيكا مقابل دين إلى أن يبيع هذا الشيك لشخص آخر بأقل مما فيه لأسباب؛ منها مماطلة المدين على أن يتولى الذي اشترى الشيك متابعة المدين ليستوفي منه قيمة ذلك الشيك، فما حكم هذه المعاملة؟
هذه المعاملة غير جائزة لأمور:
الأمر الأول: أن هذا البيع داخل فيما نهي عنه من بيع الغرر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر) ، وبيع الغرر هو كل بيع مجهول العاقبة، وهو منطبق على بيع الشيك، فإن بائعه يبيع ما قد جُهِلت عاقبته وما لا يقدر على تسليمه.
قال النووي رحمه الله: “وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ولهذا قدّمه مسلم، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق -أي العبد الهارب-، والمعدوم، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لا يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء” اهـ .
الأمر الثاني: أن هذا البيع داخل في بيع ما ليس عندك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك) .
وقيمة الشيك شيء في ذمة المدين وليس عندك.
الأمر الثالث: أن هذا البيع ليس بيعا شرعيا، إنما هو ربا محض؛ لأنه بيع دراهم بدارهم أقل منها، وهذا ربا الفضل، وهو أيضا بيع دراهم بدراهم -بينما ورقه تسمى شيكا- على وجه التأخير من غير تقابض، وهو ربا النسيئة؛ فاجتمع في هذه المعاملة الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة .
هذا؛ وقد جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في المدة من 21-26/10/1422هـ، الذي يوافقه 5-10/01/2002م في موضوع: (بيع الدين):
.. وقد اتضح من البحوث المقدمة أن بيع الدين له صور عديدة؛ منها ما هو جائز، ومنها ما هو ممنوع، ويجمع الصور الممنوعة وجود أحد نوعي الربا: ربا الفضل، وربا النساء في صورة مّا، مثل بيع الدين الربوي بجنسه، أو وجود الغرر الذي يفسد البيع؛ كما إذا ترتب على بيع الدين عدم القدرة على التسليم ونحوه (لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ) (أي الدين بالدين).
وقد ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال هذا نصه:
اشترى رجل بضاعة من بائع واتفق معه على مدة للأداء شهرا أو شهرين، ووقّع المشتري للبائع ورقة تسمى: (كمبيالة) يعني فيها ثمن الشراء ووقت الأداء واسم المشتري، وبعد ذلك يبيع البائع الكمبيالة للبنك، ويسدد البنك قيمة (الكمبيالة) مقابل ربح يأخذه من البائع، فهل هذا حلال أم حرام؟
فأجابت: شراء بضاعة لأجل معلوم بثمن معلوم جائز، وكتابة الثمن مطلوبة شرعا لعموم قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ” الآية، وأما بيع الكمبيالة للبنك بفائدة يدفعها البائع للبنك مقابل تسديده المبلغ للبائع، ويتولى البنك استيفاء ما في الكمبيالة من مشتري البضاعة، فحرام لأنه ربا .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.