إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة 2- الرب ناصر عبد الغفور

قال صاحب مختار الصحاح: ربّ كل شيء مالكه، والربّ اسم من أسماء الله تعالى ولا يقال في غيره إلا بالإضافة 1.

ومن أهل العلم من قال أن الربّ يرد بثلاث معان: المالك والسيد المطاع، قال تعالى: “فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً” أي سيده، ويأتي بمعنى المصلح، ربّ الشيء إذا أصلحه.
وهذه المعاني كلها تليق بالله سبحانه، قال الإمام الطبري بعد ذكر هذه الوجوه: “فربّنا جل ثناؤه السيد الذي لا شبيه له ولا مثل له في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر”2 .
ومنهم من أضاف معنى رابعا: الربّ بمعنى المعبود، كما جاء في حديث البراء في عذاب القبر: “..من ربّك؟” أي من معبودك؟3 .
وما أحسن ما عرّف به العلامة السعدي اسم “الربّ” حيث يقول: “الربّ هو المربي جميع العالمين.. بخلقه إياهم وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء فما بهم من نعمة فمنه تعالى.
وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة:
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة من كل شر..4.” .

من آثار الإيمان باسمي الله5 والرب:
إن الإيمان باسم من أسماء الله تعالى لا يعني أن نعقل معناه أو نعلم اشتقاقه فحسب بل لا بد أن يثمر هذا الإيمان ثماره وتظهر آثاره على العبد فيتعبد لله تعالى باسمه في حركاته وسكناته وهذه طريقة الكمل من السائرين إلى الله.
يقول ابن القيم: “وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر.. وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته..، ولمحبته لأسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها..”6 .
وأعظم أثر للإيمان باسم “الله” تأليهه سبحانه وعبوديته 7، بصرف كل العبادات له سبحانه 8.
ومن أعظم ثمار الإيمان باسم الرب أن يعتقد العبد أن كل النعم التي يتقلب فيها إنما هي منه سبحانه، وأن كل خير وصلاح يوفق إليه في أمر دينه وآخرته إنما هو من تربية الله له.
وللأسف فإن كثيرا من الناس يؤمنون به سبحانه ربّا ولا يؤمنون به إلاها، كما قال تعالى مبينا هذه الحقيقة: “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ” سورة يوسف.
ولا شك أن بين هذين الإسمين الجليلين علاقة عظيمة.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى مبينا هذه العلاقة بين اسم الربّ واسم الله: “وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة.. كيف نشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وكيف جمعت الخلق وفرقتهم فلها الجمع ولها الفرق. فاسم الربّ له الجمع الجامع لجميع المخلوقات، فهو ربّ كل شيء وخالقه، والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره. فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية، فألهه وحده السعداء وأقروا له طوعا بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخضوع إلا له.
وهنا افترق الناس وصاروا فريقين: فريقا مشركين في السعير، وفريقا موحدين في الجنة.
فالإلاهية هي التي فرقتهم، كما أن الربوبية هي التي جمعتهم..9” .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- كما في الحديث: “من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربّها”، وانظر كلام الحافظ في الفتح -كتاب العتق-.

[2]- جامع البيان.

3]- ومنه قول الشاعر: أرب يبول الثعلبان على رأسه  *  لقد هان من بالت عليه الثعاليب.

4]- تيسير الرحمن، وقال رحمه الله في موضع آخر: “..ولهذا كثر دعاؤهم -أي أولياؤه- له بهذا الاسم الجليل لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة”.

[5]- مر معنا في الحلقة السابقة الحديث عن لفظ الجلالة “الله”.

[6]- معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى.

[7]- كما أن كل آثار الإيمان بالأسماء الأخرى تتحقق في الإيمان بهذا الاسم لأنه -كما مر- يجمعها كلها.

[8]- فهل آمن حق الإيمان بهذا الاسم من دعا القبور وصلى إليها دون العزيز الغفور وقدم إليه كل أنواع النذور..؟

[9]- مدارج السالكين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *