بلد “الحقوق والحريات” يضطهد حرية المنقبات عابد عبد المنعم

صادق مجلس الشيوخ الفرنسي يوم الثلاثاء 14 شتنبر 2010 بصفة نهائية على قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، لتصبح بذلك فرنسا ثاني دولة أوروبية تحظر النقاب بعد بلجيكا.

وصوت 246 عضواً لصالح القرار مقابل اعتراض واحد وامتناع 100 من أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي (الغرفة العليا في البرلمان) وذلك بعد مصادقة الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى) بالإجماع لصالح القرار في 13 يوليو الماضي.
وسيُحال القانون إلى المجلس الدستوري الذي يتوقع أن يبت بشأنه في غضون شهر، ولن يدخل الحظر حيز التنفيذ قبل ربيع 2011 بعد فترة “تربوية” من ستة أشهر.
ويقضي مشروع القانون، بمعاقبة المخالفين بغرامة مالية قدرها 150 يورو، أي حوالي 190 دولار، والخضوع لبرنامج تدريبي على المواطنة، أو أي من العقوبتين.
كما يتضمن القانون معاقبة كل من يجبر امرأة على ارتداء النقاب بالسجن لمدة عام، أو غرامة مالية تُقدر بـ 15.000 يورو، أي حوالي 19.000 دولار.
وبإقرار هذا القانون، تصبح فرنسا أول بلد أوروبي يفرض هذا الحظر المعمم. علمًا بأنه تجري حاليا في بلجيكا الإجراءات لإقرار قانون مماثل.
وجاءت موافقة الحكومة الفرنسية على مشروع القانون رغم تحذير مجلس الدولة، الذي يقدم المشورة القانونية لها، من أن حظر ارتداء النقاب قد يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما يتناقض مع دستور الجمهورية الفرنسية.
كما دعت منظمة العفو الدولية المشرعين الفرنسيين إلى عدم الموافقة على مشروع القانون، وقالت إن “الحظر الكامل على تغطية الوجه، يتناقض مع حقوق حرية التعبير والعقيدة لهؤلاء النساء اللاتي يرتدين النقاب في الأماكن العامة”.
من جهتها؛ طالبت البرلمانية الإيطالية “يزابيلا بيرتوليني” ممثلة حزب شعب الحرية الإيطالي بحظر النقاب في إيطاليا أيضا؛ مدعية أنه: “حان الوقت لأن تعتمد بلادنا أيضا القانون الذي يحظر النقاب على غرار النص الفرنسي، لا من ناحية اعتباره مسألة تتعلق بالأمن والنظام العام، بل كونه رمزا يقلل من شأن النساء ويتعارض تماما مع مبادئ المساواة”.
إذا علمنا أن عدد المنقبات في فرنسا -حسب ما كشف عنه تقرير أعدته وزارة الداخلية الفرنسية- يبلغ 365 امرأة، معظمهن من أصل فرنسي، تنقبن بعد اعتناق الإسلام؛ ظهر لنا أن فرنسا “بلد الحريات”! حائرة اليوم في كيفية التعاطي مع ملف اندماج المسلمين في ثقافتها وقيمها العلمانية؛ وأن هؤلاء النسوة اللائي اخترن ارتداء النقاب طوعا من غير إكراه ورفضن الانصهار في منظومة القيم والأخلاق الغربية وعاداتها الاجتماعية؛ أصبحن يشكلن خطرا عن قيم العلمانية ومبادئها؛ ويدفعن بكثير من الفرنسيين والفرنسيات ممن لم يسبق لهم التعرف على الإسلام إلى التساؤل حول هذا اللباس ومرجعية أصحابه؛ وفي ظل الإباحية المنتشرة هناك والوضعية المزرية التي باتت تعاني منها المرأة الغربية عموما والفرنسية خصوصا؛ والقوانين العبثية المؤطرة للمرأة؛ فإن الإقبال على الإسلام لا شك سيتزايد.
إن ما أقدمت كل من فرنسا وبلجيكا -وسيتبعها على ذلك لا محالة دول أوروبية أخرى- من اضطهاد لمسلمين يعيشون بين أظهرهم وحرمانهم من التمتع بحقوقهم وحرياتهم يكشف لنا حقيقة شعارات الحرية التي يتغنى بها أبناء الثورة الفرنسة؛ وأنها مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء؛ حتى إذا جاءه واطلع على حقيقته كشف له زيفه وكذبه.
لا شك أن ما حدث في فرنسا يدمي قلب كل مسلم يستشعر المعاناة التي ستتعرض لها المرأة المنقبة في بلد “الحرية والأخوة والمساواة”! لكن لا يجب أبدا أن نغفل أو ننسى أحداثا ومواقف مرت بنا كان ظاهرها المعاناة والتضييق والاضطهاد؛ وفي باطنها النصر والتمكين والعزة؛ “وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *