أئمة المالكية يثبتون الصفات على منهج السلف وينتقدون مناهج الكلاميين

1- قال الإمام ابن القاسم رحمه الله كما في نوادر ابن أبي زيد (14/553):

“ولا ينبغي لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ولا يشبهه كذلك بشيء وليقل: له يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه، تقف عندما في الكتاب، لأن الله سبحانه لا مثل له ولا شبيه له ولا نظير له”اهـ
2- وقال حافظ المغرب؛ الإمام أبو عمر ابن عبد البر في كتاب التمهيد (7/145):
“أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أثبتها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله”اهـ
3- وقال الحافظ الترمذي في جامعه (3/50):
قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا؛ قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف؟ هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف.
وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز و جل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ههنا القوة.
وقال إسحق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع، وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}”اهـ
4 وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في آخر كتابه (النوادر والزيادات) (14/552-554):
“ومن سماع ابن القاسم قال مالك: أشد آية على أهل الاختلاف من أهل الأهواء لَقوله سبحانه: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} وتأويلها على أهل الأهواء.
قال سحنون: قال ابن غانم في كراهية مجالسة أهل الأهواء: أرأيت من قعد إلى سارق وفي كمه بضاعة أما يحرز منه ليلا يغتاله؟ فالدين أولى”اهـ.
قال الإمام أبو بكر محمد ابن خويز منداد المالكي(1 ) (م.390) في كتاب الشهادات من كتابه “الخلاف”: “أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام؛ فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع؛ أشعريا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدا، ويهجر ويؤدب على بدعته..”اهـ(2 ).
5 وقال ابن أبي زيد في الجامع: “مما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة ومن السنة التي خلافها بدعة وضلالة؛ أن الله تبارك اسمه له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، لم يزل بجميع صفاته وأسماءه، ..وأن كلامه صفة من صفاته، ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فتبيد، وأنه عز وجل كلم موسى بذاته، وأسمعه كلامه، لا كلاما قام في غيره، وأنه يسمع ويرى، ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، وأنه يجيء يوم القيامة، وأنه يرضى عن الطائعين ويحب التوابين ويسخط على من كفر به ويغضب فلا يقوم شيء لغضبه، وأنه فوق سماواته على عرشه، دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه”اهـ .
قلت: وقد ألف الإمام ابن أبي زيد مقدمة كتابه الرسالة على منهج السلف:
6- وأما الإمام ابن أبي زمنِين رحمه الله فألف في نصرة عقيدة السلف؛ كتابه “أصول السنة”، وقرر فيه العقيدة كما تلقتها الأمة عن سلفها الصالح، ونقل عن الإمام مالك ما يثبّت ذلك.
7- ومن كلام الإمام ابن عبد البر في تثبيت منهج السلف ونقد الكلاميين ومناهجهم؛ قوله:
قوله: “من نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر المهاجرين والأنصار، وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجا، علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين بأعلام النبوة ودلائل الرسالة، لا من قبل حركة ولا من باب الكل والبعض ولا من باب كان ويكون.
ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبا في الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه لازما، ما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم، ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم، ولو كان ذلك من عملهم مشهورا أو من أخلاقهم معروفا لاستفاض عنهم ولشهروا به كما شهروا بالقرآن والروايات”(3 ).
وقال: “ليس في الاعتقاد في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه”( 4).
وقال أيضا: “ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الثقات وجاء عن الصحابة وصح عنهم علم يدان به، وما أحدث بعدهم، ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم فبدعة وضلالة، وما جاء في أسماء الله أو صفاته عنهم سلم له ولم يناظر فيه كما لم يناظروا، ورواها السلف وسكتوا عنها، وهم كانوا أعمق الناس علما وأوسعهم فهما، وأقلهم تكلفا، ولم يكن سكوتهم عن عي، فمن لم يسعه ما وسعهم فقد خاب وخسر”اهـ(5 ).
وقد روى السلمي في كتابه ذم الكلام عن مالك قوله: “لو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل على باطل”(6).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) قال الصفدي في ترجمته: “كان يجانب الكلام وينافر أهله”اهـ.

 ([2]) كتاب الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ (ص.107-108).

([3]) التمهيد (7/140).

(4]) جامع بيان العلم وفضله (2/942).

([5) المصدر نفسه.

([6]) المنتخب من كتاب ذم الكلام للإمام أبي الفضل المقرئ (ص:97)، وانظر في الصفحة (82) منه أثرا آخر عن الإمام مالك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *