ما هو تقييمكم للتحقيق الذي نشرته يومية الأحداث بخصوص ما أسمته: منسوخات تكفيرية؟
من المعروف عن الخط التحريري لهذه الجريدة أن من جوانبه معاداة مظاهر التدين في المجتمع المغربي وكراهية الدعاة إلى الله والقناعة بأنهم ماضويون وظلاميون بناء على نظرة أصحاب هذا التوجه إلى الحياة والإنسان التي تؤطرها الفلسفة الإباحية والفكر العلماني.
وهم يحاولون إخفاء موقفهم المعادي لانتشار التدين وراء إنكار التشدد ومحاربة السلفيين -مستغلين التوجه العام الذي رسمته السياسة الأمريكية-، ولذلك يسعون لتغذية روح الكراهية وممارسات الإقصاء ضد السلفيين بتبني سياسة التشويه الإعلامي وتحريض السلطات وأجهزة الأمن للتضييق عليهم، في الوقت الذي يدافعون فيه عن الملاحدة والصهاينة والمنصرين وأباطرة الدعارة والشواذ جنسيا/اللواطيين، ويدعون إلى تمتيعهم بحقوقهم وبالحرية التي تكفلها لهم المواثيق الدولية، ويستعملون في حقهم عبارات: “التسامح” و”قبول الآخر” و”احترام الحق في الاختلاف” و”الموضوعية في النقد”!
أما السلفيون فلا حرج في تغييب الموضوعية في حقهم، واتهامهم بأقبح التهم: “التكفير”، “الإرهاب”، “الظلامية” .. إلـخ.
والتشديد على إقصائهم واستئصالهم من مشهد هيكلة الحقل الديني باستعمال ألفاظ من قبيل: “تسللوا” إلى المجالس العلمية، يستعملون “التقية” و”المداراة”، “ثني المغاربة عن “الثوابت الدينية”، “خداع المغاربة”..!!!!
مكرسين بذلك جهل القراء بالسلفية والسلفيين الذين كان منهم ولا يزال؛ فضلاء العلماء والمفكرين والوطنيين الصادقين؛ من أمثال العلامة أبي شعيب الدكالي وشيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، والعلامة الأديب عبد الله كنون والشيخ المفسر محمد المكي الناصري، والدكتور المصلح محمد تقي الدين الهلالي، وشيخنا الفقيه المربي محمد الصمدي -رحمهم الله-، وشيخنا الدكتور لحسن وجاج، وشيخنا المحدث الأديب محمد الأمين بوخبزة، -أطال الله عمريهما ومتعهما بالصحة والعافية-.. وغيرهم كثير..
ما هي مظاهر غياب الموضوعية في هذا التحقيق من وجهة نظركم؟
لقد وضعت الجريدة لأكاذيبها عنوانا استفزازيا، واستعملت في تحقيقها المزعوم ألفاظا وتعبيرات توهم بأنها تتحدث عن أكبر شبكة إرهابية عرفها المغرب: (منسوخات تكفيرية)، (كتب تهدم الأسس الدينية)، (الطبع السري)، (الإفلات من الرقابة)، (الكتب المارقة)، (اللوبيات التكفيرية تروج لكتب) .. إلـخ.
فلما بحثت -في تحقيقهم أو قل وشايتهم- عن هذه الكتب التي بلغت في الخطورة إلى هذه الدرجة؛ وجدتها لا تخرج عن شيئين:
1 بعض مؤلفات الحاج عبد الرحمن النتيفي رحمه الله.
2 كتاب: “السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب” لعبد ربه.
أما الحاج النتيفي فهو علامة وطني مصلح يفتخر به المغاربة، توفي في الدار البيضاء سنة 1385هـ.
وقد بلغ درجة عالية من العلم، ودرّس بالقرويين وغيرها، وتخرج على يده جماعات كثيرة من أهل العلم؛ كأخيه قاضي مراكش جعفر محمد النتيفي والفقيه عباس المعداني وغيرهما، كما كان وطنيا صادقا مجاهدا في سبيل الله -نحسبه كذلك والله حسيبه-؛ فقد حضر موقعة تدارت التي تم على إثرها احتلال مدينة الدار البيضاء، وغيرها من المواقع..
كما عرف بمواقفه الشجاعة في إنكار ما ألصق بالدين من بدع وخرافات تشوه صورته البهية وتسيء إلى رسالته الخالدة.
ومع هذا لم تستح جريدة الأحداث من التطاول على هذا العَلَم، ولمز مواقفه الإصلاحية، ووصف كتبه بالمخطوطات المخالفة للثوابت الدينية!!!
وماذا عن كتابكم؟
أما كتاب “السلفية في المغرب” فذكَرَت عنه الأحداث معلومات تضحك وتبكي على المستوى الذي وصلت إليه هذه الجريدة التي تعد من المشهد الصحافي المغربي مع الأسف:
المضحكة الأولى: قولها عن الكتاب بأنه مخطوط أعد للنشر منذ عقود!
وأنا مؤلفه لم أخرج إلى هذه الدنيا إلا عام 1977! ولم أشرع في كتابة الكتاب إلا عام 2006!
المضحكة الثانية: وصفه الكتاب بأنه على غرار الكتب التكفيرية؛ مع أن البابين الأخيرين منه خصصا لنقد فكر التكفير جملة وتفصيلا، إضافة إلى ما هو معلوم عن مؤلف الكتاب من أنه ينتقد الفكر التكفيري بشدة، ولي في ذلك عدد من المؤلفات والمقالات والمحاضرات؛ منها على سبيل المثال؛ كتاب: “الأدلة القطعية على تحريم التفجيرات التخريبية التي تمارس باسم الجهاد وإنكار المخالفات الشرعية”، طبع طبعتين عام 1428/2007.
وليلة الأحداث الإجرامية التي هزت الدار البيضاء في ماي من عام 2003 كنت بدار القرآن ببلبكار في مراكش ألقي المحاضرة الخامسة من سلسلة محاضرات في نقد الفكر التكفيري، وكشف الشبهات التي يلبس بها حملته على الشباب المتحمس، وهي مسجلة سمعيا.
الكذبة الثالثة: زعمهم بأن المؤلف يصف في الصفحتين 96 و97 العقيدة الأشعرية بالعقيدة المختلطة المدلسة الفاسدة!
والذي يرجع إلى هاتين الصفحتين يقف على أمرين اثنين:
الأول: أن الكلام إنما هو للعلامة عبد الحفيظ الفاسي المتوفى سنة 1383 هـ؛ الذي شغل منصب القضاء الشرعي في عدة مدن مغربية لمدة عشرة أعوام، كما كان عضوا في المحكمة الجنائية العليا.
الثاني: أن ذلك الوصف قاله عن محمد ابن تومرت!
ولم يكن الكلام عن عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري التي أثنى عليها كتاب “السلفية في المغرب”، خلافا لما زعمه تحقيق الأحداث المغربية، وإنما المنتقد العقيدة الكلامية التي تنسب كذبا إلى الإمام أبي الحسن رحمه الله، فتوصف بأنها أشعرية.
وقد أثبتنا في الكتاب بالأدلة القاطعة بأنه لا علاقة لها بما نشره الإمام الأشعري في كتبه من العقيدة السلفية الصافية التي هي عقيدة الإمام مالك وأمثاله من الأئمة رحمهم الله.
الكذبة الرابعة: نسبوا إلى الصفحات 93 و124 و128 و131 ما لا عين له ولا أثر!
.. وبعد هذا نتساءل: في أية خانة نصنف هذه المهزلة التي تقدم إلى القارئ المغربي باسم الصحافة والتحقيق؟!
كما نتساءل: كيف تجرأت هذه الصحيفة على استغفال القراء والكذب عليهم إلى هذه الدرجة التي توهمهم بأنهم أمام شبكة إرهابية خطيرة؟!
واللافت للانتباه أن “الأحداث المغربية” كتبت هذه “المضحكات المبكيات” متسترة بلبوس الغيرة على الإسلام المغربي الأصيل المعتدل، والحرص على الثوابت الدينية!
مع أن المتتبع لخطها التحريري يعرف موقفها الحقيقي من تلك الثوابت المزعومة؛ وأنها لم تأل جهدا في هدمها وإبعاد المواطن المغربي عنها.
فكيف يصح لأمثال هؤلاء أن يظهروا التباكي على عقيدة الإمام الأشعري وفقه الإمام مالك وسلوك الإمام الجنيد رحمهم الله؟!!!
ولكنها سياسة الثعلب الذي تباكى مُظهرا الشفقة على الديك؛ مبطنا نية البطش به والتهامه متى أحكم قبضته عليه؛ فاحذروا يا علماء المغرب، واخشوا يوما تقولون فيه: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض..
وقد..”أخطأ من ظن يوما *** أن للثعلــــب دينــــــــــــــا”