التَّوحِيدُ الخَالِصُ: (14) توحيد الألوهية الدُّعَـــاءُ:

المعنى اللغوي:

كلمة الدعاء في الأصل مصدر من قولك: دعوتُ الشيء أدعوه دعاءً، وهو أن تُميل الشيءَ إليك بصوت وكلام يكون منك(1 ).
قال ابن منظور: “دعا الرجلَ دعوًا ودعاءً: ناداه. والاسم: الدعوة. ودعوت فلانًا: أي صِحت به واستدعيته”(2 ).
وأصله دعاوٌ؛ لأنه من دعوت، إلا أن الواو لما جاءت متطرّفة بعد الألف هُمزت(3 ).
ثمّ أقيم هذا المصدر مقام الاسم ـ أي: أطلق على واحد الأدعية، كما أقيم مصدر العدل مقامَ الاسم في قولهم: رجلٌ عدلٌ، ونظير هذا كثير( 4).
المعنى الشرعي:
الدعاء هو التوجه إلى الله تعالى، إما للثناء عليه، وإما لسؤاله لدفع ضر، أو جلب نفع، وكل هذا عبادة لله تعالى.
قال الإمام الخطابي: “معنى الدعاء استدعاءُ العبدِ ربَّه عزَّ وجلَّ العنايةَ، واستمدادُه منه المعونةَ. وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرُّؤ من الحول والقوّة، وهو سمةُ العبودية، واستشعارُ الذلَّة البشريَّة، وفيه معنى الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وإضافة الجود والكرم إليه”(5 ).
فالدعاء عبادة يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) رواه أبو داود والترمذي.
أقسام الدعاء:
أن الدعاء نوعان: دعاء مسألة ودعاء عبادة.
دعاء المسألة: هو دعاء الطلب أي طلب الحاجات وهو عبادة إذا كان من العبد لربه، لأنه يتضمن الافتقار إلى الله تعالى واللجوء إليه، واعتقاد أنه قادر كريم واسع الفضل والرحمة. ويجوز إذا صدر من العبد لمثله من المخلوقين إذا كان المدعو يعقل الدعاء ويقدر على الإجابة كما في قوله القائل يا فلان أطعمني.
دعاء العبادة: فأن يتعبد به للمدعو طلباً لثوابه وخوفاً من عقابه وهذا لا يصح لغير الله وصرفه لغير الله شرك أكبر مخرج عن الملة وعليه يقع الوعيد في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60)( 6).
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: “كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة، وهذه قاعدة نافعة؛ فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة دعاءُ المسألة فقط، ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء، وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه”(7 ).
صرف الدعاء لغير الله:
من أهم ما يقتضيه توحيد الألوهية، إفراد الله تعالى بالدعاء، قال تعالى: (فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65).
قال ابن جرير: “يقول تعالى ذكره: فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه “دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ”، يقول: أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحيدَ، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم ولكن بالله الذي خلقهم. “فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ”، يقول: فلما خلّصهم مما كانوا فيه وسلّمهم فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكاً في عبادتهم، ويدعون الآلهة والأوثان معه أرباباً” جامع البيان.
وقال تعالى: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّـالِمِينَ، وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) (يونس:106-107).
قال ابن جرير: “ولا تدع ـ يا محمد ـ من دون معبودك وخالقك شيئاً لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يضرك في دين ولا دنيا، يعني بذلك الآلهة والأصنام، أي: لا تعبدها راجياً نفعها أو خائفاً ضرها، فإنها لا تنفع ولا تضر، “فَإِن فَعَلْتَ” ذلك فدعوتَها من دون الله “فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّـالِمِينَ”، يقول: من المشركين بالله الظالمين أنفسهم” جامع البيان.
وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىا يَوْمِ الْقِيَـامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَـافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـافِرِينَ) (الأحقاف:5-6).
وقد نص العلماء على أن من صرف شيئاً من نوعَي الدعاء لغير الله فهو مشرك.
قال ابن تيمية: ” فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين”(8 ).
ومن الشرك ما انتشر في ربوع المغرب من التوجه للموتى والمقبورين بالدعاء طلبا للخير ودفعا للضر؛ فمن راج صحة ومن طالب ولدا ومن مؤمل عقارا أو راغبة في زوج، قال العلامة ابن القيم: “ومن أنواعه -أي: الشرك- طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم”( 9) .
ومن الأمثلة أيضا توجه كثير من العامة لأشجار وأحجار يقصونها لدعائها والتبرك بها؛ قال أبو بكر الطرطوشي لما ذكر حديث الشجرة المسماة بذات أنواط :”فانظروا -رحمكم الله- أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويُعظمون من شأنها، ويرجون البُـرء والشفاء من قِـبَلِها؛ وينوطون بها المسامير والخرق؛ فهي ذات أنواط؛ فاقطعوها”(10 ).
فحري بنا جميعا أن نكثف الجهود الدعوية لتطهير المغرب من كل رواسب الشرك الذي يفسد على المسلمين دنياهم وآخرتهم فهو يمنعهم في الدنيا من التمكين ويحرمهم في الآخرة من دخول جنة النعيم والله المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1 ) – انظرمعجم مقاييس اللغة (2/279)
( 2) – لسان العرب، مادة (د ع و).
(3 ) – المصدر نفسه
(4 ) – شأن الدعاء، ص:3.
( 5) – شأن الدعاء، ص:4.
( 6) – أنظر شرح الثلاثة أصول للشيخ ابن عثيمبن.
(7 ) –القواعد الحسان (ص154- 155)
( 8) – مجموع الفتاوى (1/124)
( 9) – مدارج السالكين (1/346)
( 10) – الحوادث والبدع بتحقيق الشيخ علي الحلبي ص:38-39

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *