التَّوحِيدُ الخَالِصُ: (8) توحيد الألوهية العبـــادة

تعريف العبادة:

سبق في مقال سالف أن أحد تعاريف توحيد العبادة هو إفراد الله تبارك وتعالى بجميع أنواع العبادة؛ الظاهرة والباطنة، قولاً وعملاً، ونفي العبادة عن كل من سوى الله تبارك وتعالى كائناً من كان.
فماهي العبادة؟
العبادة التي خلق الله لها الخلق هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
فالظاهرة: كالتلفظ بالشهادتين وإقام الصلاة وإخراج الزكاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإكرام الضيف والجار والصدقات والدعوة إلى الله عز وجل…
والباطنة: كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وخشية الله وخوفه ورجائه والحب في الله والبغض في الله وغير ذلك…
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبرّ الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة.
وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله”(1 ).
وقد عرفها الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: “العبادة روحُها وحقيقتُها تحقيقُ الحبِّ والخضوع لله؛ فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة، فمتى خلت العبادة من هذين الأمرين أو من أحدهما فليست عبادة؛ فإن حقيقتها الذل والانكسار لله، ولا يكون ذلك إلا مع محبته المحبة التامة التي تتبعها المحاب كلها”(2 ).
ومما ينبغي التنبيه عليه أن العبادة تطلق إطلاقين:
1- الفعل الذي هو التَّعَبُّد.
2- المفعول وهو المُتَعَبَّدُ به أو القربة.
مثال ذلك الصلاة ففعلها عبادة وهو التعبد، وهي نفسها عبادة وهي المتعبد به ( 3).
الفرق بين العبادة وتوحيد العبادة:
الفرق بينهما ظاهر؛ فالعبادة هي ذات القربة أو فعلها.
أما توحيدها فصرفها لله وحده لا شريك له.
العبادة هي الغاية من خلق الجن والإنس:
وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له التي خَلق الخلق لها كما قال الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].
وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه (اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف:59].
وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لقومهم وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ)؛ وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:92] : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).
قال ابن كثير رحمه الله شارحا قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، “أي : إنما خلقتُهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً، أو كرهاً.
وهذا اختيار ابن جرير. ( 4)
وقد ميّز الله البشر عن غيره من المخلوقات فكان من حكمة ذلك أن أمره بالعبادة، ونهاه عن ضدها، ووعده على الطاعة الجنة، وأخبره أنه سوف يعيده بعد موته، وسيلقى جزاء كاملا وثوابا جزيلا، فمن صدّق بذلك كان من الأتقياء المؤمنين، ومن كذّب فقد عصى الله تعالى وخالف إرادته الشرعية، وتعرّض للعقاب في عاجل أمره وآجله، ولا يضرّ إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.

 ـــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) العبودية: ص 44

(2]) الحق الواضح المبين، ص59_60.

(3]) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد (1/10)

(4])تفسير القرآن العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *