المعنى اللغوي: الاستغاثة طلب الغوث، والغوث الإعانة والنصرة
قال ابن فارس: “الغين والواو والثاء كلمةٌ واحدة، وهي الغوث من الإغاثة، وهي الإغاثة والنُّصرة عند الشِّدة”(1).
قال الراغب الأصفهاني: “الغوث يقال في النصرة والغيث في المطر، واستغثته طلبت الغوث أو الغيث، فأغاثني من الغوث وغاثني من الغيث وغوثت من الغوث، قال تعالى: (إذ تستغيثون ربكم) وقال سبحانه: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) وقل عز وجل: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل)، فإنه يصح أن يكون من الغيث ويصح أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا يصح فيه المعنيان.
المعنى الشرعي: الاستغاثة هي طلب الغوث من الله تعالى على سبيل التعبد له وطلب التقرب إليه وذلك أمر كرب أو شدة(2).
بين الاستغاثة والدعاء:
من المعلوم أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، كما قال تعالى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص:15] والدعاء أعم من الاستغاثة لأنه يكون من المكروب و من غيره.
فالاستغاثة دعاء لكنه دعاء خاص، فلو لم تكن دعاء لكانت مقابلتها بالإجابة غير وجيهة، وقد قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال:9].
أنواع الاستغاثة: الاستغاثة نوعان:
الاستغاثة الجائزة: يجوز أن يستغاث بالمخلوق كأن يستغيث غريق برجل قريب منه ماهر في السباحة، أو الاستغاثة ببعض الناس لإخماد حريق، فهذا من التعاون المطلوب شرعا ولا ضير فيه بثلاثة شروط:
أ- أن يكون المخلوق المستغاث به حيا؛ لأن الميت لا يقدر على شيء.
ب- أن تكون مما يقع تحت قدرة المخلوق واختصاصه لا مما هو من خصائص الخالق.
ت- أن يكون حاضرا يسمع الطلب ويقدر على الفعل المطلوب.
الاستغاثة المحرمة الشركية:
وهي نوعان:
أ- الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه فهذه من حقوق الله تعالى التي لا يشاركه فيها غيره سبحانه وتعالى، فلا تطلب إلا منه كالنصر والرزق، والهداية والمطر والمغفرة والشفاء…
قال السعدي لاحمه الله تعالى: “أمر الله بالاستعاذة به وحده من الشرور كلها، وبالاستغاثة به في كل شدة ومشقة، فهذه إخلاصها لله إيمان وتوحيد، وصرفها لغير الله شرك وتنديد”( 3).
وقال الشوكاني رحمه الله: “وأما ما لا يقدرُ عليهِ إلا اللهُ فلا يستغاثُ فيه إلا بهِ، كغفرانِ الذنوبِ والهدايةِ وإنزالِ المطرِ والرِّزق ونحو ذلك، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللهُ) [آل عمران:135]، وقال: (إنَّكَ لا تَهْدِيْ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ) [القصص:65]، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ والأرْضِ) [فاطر:3]” (4 ).
ب- الاستغاثة بالأموات أياً كانوا، وهذه محرمة مطلقا مهما كان موضوعها ومضمونها(5 ) .
قال الآلوسي: “وأما إذا كان المطلوب منه -يعني المستغاث به- ميتا أو غائبا فلا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف”(6 ).
فما أكثر مَن يستغيث من الناس حال كرباتهم وشدائدهم بالموتى الذين انقطعت أعمالهم وفنيت أعمارهم فهم فلا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، فكيف يملكون لغيرهم النصر والغوث والعون؟؟
فمن مناد عند كربته؛ “يا مولاي عبد القادر” أو “يا سيدي عبد السلام بن مشيش” أو “يا مولاي إدريس” أو غيرها من الأوثان التي صارت مع الأسف تدعى من دون الله تعالى، وهذا الفعل الذي هو الاستغاثة بالموتى حال الكربة والشدة شر من فعل المشركين الذين كان يخلصون حال الشدة ويشركون حال الرخاء، فقد حكى عنهم القرآن قائلا: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت:65].
قال ابن كثير: “أخبر تعالى عن المشركين أنهم عند الاضطرار يدعونه وحده لا شريك له، فهلا يكون هذا منهم دائما، (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) كقوله: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ)[الإسراء: :67]”.
والله المستعان
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) – معجم مقاييس اللغة 4/322.
(2 ) – أنظر معجم ألفاظ العقيدة، ص: 38.
(3 ) – أنظر معالم التوحيد للدكتور مروان القيسي ص:99.
(4 ) – الدر النضيد ص:4.
( 5) – القول السديد ص:63.
( 6) – روح المعاني 6/125.