من المعروف عند أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي بنت ست أو سبع ودخل بها وهي بنت التاسعة.
وقد طعن بعض الناس في نبينا وديننا بهذا زاعمين أن هذا اغتصاب لطفلة؛ ورد بعض المسلمين هذا بتضعيف الحديث الوارد في ذلك والانتصار لكونها تزوجت في سن أكبر من ذلك.
وليس الأستاذ عدنان إبراهيم بالبدع في هذا فقد سبقه وغيره العقاد، وأخص عدنان بالرد هنا فإنه أورد على الحديث جملة من الإيرادات -زاعما أنها كالقنبلة- وسأنتقي منها فقط ما يستحق المناقشة وإلا فالباقي أقوال في المواليد والوفيات لا قيمة لها أمام صحة حديث عائشة.. خصوصا وأنه قد تضاربت فيها الأقوال لا كما أوهم الأستاذ فمنها:
أولا :إن الحديث ضعيف لا يصح، لأنه تفرد به هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح، زاعما أن في رواية العراقيين عنه ضعف.. ونقل عن الأئمة في ذلك وأطال وقد أصاب فيما يخص هشاما! لكنه أخطأ حين زعم أنه لم يرو الحديث إلا هشام عن عروة، فقد رواه الزهري عن عروة عنها!
بل لم يتفرد به عروة! فقد رواه عن عائشة الأسود رحمه الله وغيره وهي روايات للحديث في صحيح مسلم تحت رقم (1422)!!
فيظهر أن الأستاذ إبراهيم عدنان لم يرجع إلى المصادر وإلا لكان رأى هذه الروايات؛ وهذا من مشاكل الأستاذ عدنان؛ والغريب أنه دائما يدعي المنهجية العلمية والتحقيق!!!
فالحديث صحيح مائة في المائة؛ وقد أخطأ الأستاذ عدنان إبراهيم خطأ كبيرا!! وصدق الحافظ ابن حجر حين قال: من تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب! وهذه وحدها قاصمة فاضحة.
ثانيا: إن عائشة شهدت نزول قوله تعالى من سورة القمر: (سيغلب الجمع ويولون الدبر) وذلك لما في البخاري عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين قالت لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة وإني لجارية ألعب {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} فهذا يعني أن الآية نزلت في مكة.
ثم ذكر أن الإمام مسلما وغيره رووا عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر أنه لما نزل قوله تعالى: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هو الذي انهزم. ثم نبه إلى أن عمر أسلم في السنة السادسة أو السابعة قبل البعثة…
وقد أخطأ الأستاذ هنا خطأ مركبا من أربعة أخطاء:
أولها: أن قصة عمر مع الآية لم يرد ذكرها في صحيح مسلم.
ثانيها: حديث مسلم هذا من رواية سماك الحنفي – لا عكرمة- عن ابن عباس عن عمر.
ثالثها: رواية عكرمة في صحيح البخاري لا في صحيح مسلم؛ وهي عن ابن عباس مرسلا.. وليس فيها ذكر عمر..! إلا أن يقال إن ابن عباس أخذها عن عمر. لكنه ينبغي احترام صورة الرواية حين ذكرها من باب التحقيق العلمي .
رابعا :إن قصة عمر مع الآية ضعيفة وهي عند ابن أبي حاتم -وقد أشار الأستاذ إليها- في التفسير وعبد الرزاق في التفسير عن أيوب عن عكرمة قال: لما نزلت (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول (سيهزم الجمع ويولون الدبر). فعرفت تأويلها يومئذ.
وعكرمة لم يلق عمر فروايته منقطعة ضعيفة، وروي أيضا من حديث قتادة وهي منقطعة أيضا كما في المطالب العالية (15/290).
ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة. وفيه عبد العزيز بن عمران المعروف بابن أبي ثابت وهو متروك الحديث.
ورواه أيضا من حديث أنس عن عمر وفيه محمد بن إسماعيل بن علي وهو مجهول العين ساقط روايته وهذه الروايات لا يقوي بعضها بعضا فالأخيرتان شديدتا الضعف والأوليان مرسلتان ولا يتحقق فيهما اختلاف المخرج على طريقة الإمام الشافعي رحمه الله ففي جملة واحدة.. يرتكب الأستاذ أربعة أخطاء قاتلة!
ثم استنتج الأستاذ أن هذا يعني أن الآية نزلت في السنة السابعة أو السابعة قبل البعثة، وبما أن عائشة حضرت نزولها وكانت جارية بنت ست أو قريب من ذلك قبل البعثة لا قبل الهجرة…!! فإنها تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها أكثر من ست سنوات.
وهذا في منتهى التدليس أو الغباء فإنه على فرض صحة القصة، وقد تبين لك ضعفها، لا يلزم من كون عمر أسلم في السنة السادسة أو قريب منها قبل الهجرة أن تكون الآية نزلت أيضا في تلك السنة.. فلم لا تكون نزلت في السنة الأولى قبل الهجرة.. ليس هناك أي مانع على الإطلاق.. بل هو المتعين، جمعا بينه وبين قول عائشة أنها عقد عليها وهي بنت ست أو سبع. فصاحبة ست سنوات أو سبع جارية! فجهاز التلازم المنطقي عند الأستاذ فاسد.
فانظر كيف يعارض الأستاذ عدنان حديثا صحيحا بفهم غريب جدا جدا.. بناء على قصة ضعيفة، ويرد المحكم بالمتشابه، فيظهر أن الأستاذ إما مدلس يحسن التلاعب بالمغالطات المنطقية؛ وإما أنه لم ينتبه، وهذا أرجح عندي. من باب الاعتذار له!!!
ويخلص الأستاذ إلى أن كل العلماء إلى اليوم أخطؤوا.. فجعلوا عوض كلمة (بعثة) (هجرة).. فقط!
ما شاء الله.. لا قوة إلا بالله.. أخطؤوا كلهم.. واكتشف ذلك عدنان إبراهيم؟!
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجتمع أمتي على خطأ).. وعدنان يقول: اجتمعوا كلهم على الخطأ في هذا!! فأيهما تصدق أخي الحبيب.. أختي الفاضلة؟
قاصمة
أريد هنا أن أورد بعض الأدلة الموافقة لحديث عائشة رضي الله عنها في بيان سنها مع استحضار أن الجارية عند الأستاذ عدنان هي بنت 12 أو 13 أو قريب من هذا… كما قال!
منها: ما رواه البخاري ومسلم عنها أنها قالت: (والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنيه وعينيه، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو).
ومثل هذا ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرب إلي صواحبي يلعبن باللعب البنات الصغار.
وفي صحيح البخاري في قصة الإفك قالت عائشة: فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش.
ومثلها قول بريرة في نفس القصة لما سئلت عنها: (والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها قط أمرا أغمصه عليها، أكثر من كونها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله).
وهذا كان بعد الهجرة قطعا.. أما قصة الإفك فكانت في السنة الخامسة من الهجرة. وأما لعب الحبشة فكان بعد السنة الخامسة وقيل الثالثة .
فجريا على تعريف الأستاذ للجارية يكون سنها عند الهجرة.. سبع سنوات أو قريبا منه!!!
وقد قال القسطلاني: لم تبلغ حينئذٍ خمس عشرة سنة.
فخلاف ما قاله الأستاذ فالجارية أيضا تطلق على من كان سنها أقل من خمسة عشر.. فصاحبة السبع أيضا جارية. وطبق هذا على كل مرة تجد فيها كلمة جارية في هذا البحث.
وأما حضور عائشة في بدر وأحد فليس فيه شيء على الإطلاق… فقد حضر أنس أحدا وعمره عشر سنوات… والجارية العربية لا يجوز قياسها على جارية من زماننا.. لا يستوين مثلا! فلا يجوز التشغيب بهذا !
وقد ركزت على ما يبدو أن يكون دليلا، أما المتهافت فلا عبرة به.
فأين أنت أخي الكريم وأختي الكريمة من عدنان الآن؟ حسبي بهذا..
فلا يحتمل الموضوع تطويلا للبيب الفطن.