قام أستاذان يعملان بجامعة “إرفورت” الألمانية بإجراء دراسة حول صورة الإسلام في الإعلام الألماني، من خلال متابعة ورصد البرامج التي تطرقت للإسلام في قناتي”ZDF” و “ARD” الألمانيتين، وصدرت الدراسة في شهر يناير الماضي، وقام موقع “إسلام دي” التابع للمجلس المركزي للمسلمين بألمانيا بنشر الدراسة التي تكشف وبوضوح عن قيام الإعلام الغربي بتشويه صورة الإسلام لدى الأوروبيين.
وأيًا كان الدافع، جهل أو قصد، فإن تقصير المسلمين في هذا المجال أمر واضح، لا يحتاج إلى دليل أو بيان، وتضمنت الدراسة ما يلي:
أجريت على مدار السنوات العديدة الماضية الكثير والكثير من الدراسات والأبحاث العلمية، التي ركزت على صورة الإسلام في وسائل الإعلام الألمانية، والتي تتناول الإسلام كقضية وتخبر عنه بصورة سلبية ملصقة به تهمة التشجيع على العنف أكثر من أية قضية أخرى.
بداية من اندلاع الثورة الخمينية في إيران عام 1978م/1979م ومرورًا بصعود الأصولية السياسية ومن خلال هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001م، نشأت في الكثير من وسائل الإعلام الألمانية ثقافة المراسلة، والتي تربط بصورة كبيرة بين واقع الحياة المعقد للمسلمين، في مختلف أنحاء العالم، والبالغ عددهم 1,2 مليار نسمة – ثاني أكبر جماعة دينية في العالم – وبين العنف، وموضوعات القتال والصراع، مثل الإرهاب الدولي.
ونظراً لأن غالبية الشعب الألماني ليست لديه علاقات مباشرة أو اتصالات مع المسلمين، أو العالم الإسلامي، من شماله إلى جنوبه، فإن صورتهم عن الإسلام تتأثر تأثرًا كبيرًا بما تنقله وسائل إعلامهم.
إن هذه الدراسة التي بين أيديكم عبارة عن تحليل لأسباب ودواعي إثارة موضوع الإسلام في المجلات الإذاعية والبرامج الحوارية والوثائق والتقارير والرسائل، على قناتي “ZDF” و “ARD” الألمانيتين.
وتناولت الدراسة بالبحث 22 برنامجًا في قناة “ARD”, و15 برنامجًا آخر في قناة “ZDF”.
وتمحورت الدراسة حول سؤال رئيس ألا وهو: في أي إطار موضوعي، تم تناول الإسلام وإظهاره في هذه البرامج -محل الدراسة- التي يتم إعدادها، وتنفيذها من أجل تعميق معلومات المشاهدين في القضايا الاجتماعية الهامة، والتي تساعد أيضًا في إمداد المجتمع، ليس فقط بالمعلومات السياسية، وإنما أيضًا في خلق رأي عام يصب في اتجاه معين.
وتجنبًا لأي تشويه أو تحريف ربما يطرأ من خلال الأحداث على المدى القصير أو المتوسط، أو من خلال التركيز على بعض البرامج دون غيرها، تتناول الدراسة مجموعة كبيرة من البرامج خلال مدى زمني طويل في الفترة ما بين 1 يوليوز 2005م، وحتى 31 دجنبر 2006م.
ومما أسفرت عنه الدراسة أن الإرهاب والتطرف كان هو الموضوع الأكثر جاذبية، والأهم عند الحديث عن الإسلام، في المجلات الإذاعية والبرامج الحوارية، والتقارير والبرامج الوثائقية، ففي العام والنصف الأخير اهتمت ربع البرامج المتحدثة عن الإسلام بهذا الموضوع “الإرهاب والتطرف” بنسبة 23.31٪.
والأمر الأكثر غرابة من هذا هو أن باقي البرامج التي تناولت موضوع الإسلام، تأثرت في الغالب بالقضايا الخلافية المتصارع عليها، وقد قسمت على النحو التالي:
– الصراعات الدولية 16,54% مثل حرب لبنان، وصراع الرسوم المسيئة بين العالم الإسلامي والغرب.
– مشاكل الاندماج في المجتمعات الغربية 15,79% مثل معارضة بناء المساجد ومشاكل اللجوء في الدول الغربية.
– التعصب الديني 9,77% مثل اضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط.
– الأصولية والإسلامية 7,52%.
– المرأة/ الظلم / التحرر 4,51% مثل قضايا الشرف واغتصاب النساء.
– حقوق الإنسان والديمقراطية 3,76%.
لقد وصل عدد البرامج والحلقات المتعلقة بالإسلام، إلى 133 حلقة.
أما الموضوعات المحايدة أو الإيجابية التي لا تربط بين الإسلام والعنف والصراعات الاجتماعية، وإنما تتحدث عن صور الحياة اليومية المنتظمة، والقضايا الثقافية والدينية، فلم تمثل أكثر من خمس الموضوعات المطروحة في البرامج التي تحدثت عن الإسلام.
ويتم طرح الموضوعات المتعلقة بالإسلام في التليفزيون الرسمي اليميني، بصورة متقطعة من خلال الأحداث الحيوية المتواصلة في العالم، ومن أهم الأحداث التي وقعت خلال الفترة الزمنية التي تتناولها الدراسة ما يلي:
– يوليوز 2005: هجمات لندن.
– يناير 2006: مناقشات حول الاندماج “امتحان الجنسية”.
– فبراير 2006: أزمة الرسوم المسيئة.
غشت 2006: الحقائب المتفجرة في ألمانيا.
شتنبر 2006: إلغاء الأوبرا المسيئة، المؤتمر الإسلامي في برلين، خطاب بابا الفاتيكان في ألمانيا.
– نونبر/دجنبر 2006: زيارة بابا الفاتيكان إلى تركيا.
وقد أثارت هذه الأحداث بصورة رئيسة وغيرها مجموعة من البرامج للحوار حول احتياج الغرب إلى الأمن والسلام، وقد اتخذت البرامج التي تناولت قضايا العنف والأمن عناوين لها مثل: “الإسلاميون الخطرون”, و”دعاة الكراهية في ألمانيا”, و”الإرهابيون كجيران”, و”بداية لمجتمع متعدد”, وخاصة في برامج المجلات الإذاعية مثل “فرونتال 121، كونتراست، مونيتور، بانوراما.. إلخ”.
أما البرامج الحوارية فكانت تطرق لموضوع الإسلام، حينما يكون له أهمية في خضم الأخبار والأحداث الجارية، لذا فإنه من الملفت للنظر أن البرامج الحوارية كانت تناقش موضوع الإسلام دون طرح مباشر للأسئلة، بخلاف برامج المجلات التي كانت أكثر تخصصًا وتناقش قضايا بعينها وتلقي عليها الضوء، ومن أمثلة الأسئلة التي كانت تطرحها البرامج الحوارية ما يلي: “هل نحتاج لمزيد من التعصب؟ هل مازالت هناك فرصة للتعايش السلمي سويًا؟ التطرف مشكلة عالمية! دراما انفجار الشعوب! السلاح النووي والكاريكاتير.. إلخ”.
ومعظم الموضوعات المتعلقة بالإسلام تم طرحها في المجلات الإذاعية المهتمة بالشأن الخارجي من عينة “مرآة العالم، مرآة العالم الثقافية، الجريدة الخارجية، جريدة أوروبا”.
وفي هذه البرامج يوجد سيناريوهان مختلفان في التعامل مع الموضوعات ذات الصلة بالإسلام، فإما أن يتم التعامل مع الإسلام على أنه يمثل خطرا دقيقًا، وذلك من خلال التقارير التي تتحدث عن الأوضاع في مناطق الصراع، ومن أمثلة هذه التقارير “في مغارة الأسود – لقاء أمراء الإرهاب”، “أفغانستان – حملة الدعاية لطالبان”، “مكائد الإرهاب أم اختيار الجامعات”, أو بالأحرى في التقارير عن تعصب المسلمين تجاه غير المسلمين من عينة “مصر – المسلمون المفترسون”، “الأقلية اليهودية في غيران”، “الإكراه على الإسلام والزواج الإجباري – اضطهاد الأقباط المسيحيين في مصر”، أما السيناريو الثاني فهو أن يتم تناول الإسلام من خلال تقارير تناقش حالات أو وقائع فردية، ومن أمثلة هذه التقارير “المعركة الانتخابية بالحجاب – حماس ترشح امرأة للانتخابات”، “زواج المتعة – الدعارة في إيران”، “إمام بمشاعر كروية- شيخ تركي وفريقه لكرة القدم”، “المتعة في اللعب – الفريق النسائي لكرة القدم في إيران”.
إلا أنه في المجمل العام يمكننا القول بأن تناول الإسلام في المجلات الإذاعية والبرامج الحوارية والوثائقية والتقارير التي تبثها قناتا “تست ديه إف” و”أه إر ديه” يتم بصورة سلبية تظهر الإسلام بصفته خطرًا داهمًا، ويسبب العديد من المشاكل في المجتمع والسياسية، فيما يزيد عن نسبة 80٪ من المواد المذاعة.
إن الإسلام من خلال قناتي “ZDF” و “ARD” يبدو وكأنه قمة العنف والصراع مما يعطي للمشاهدين الألمان انطباعًا بأن الإسلام لا يعتبر دينًا وشريعة بقدر اعتباره فكرًا وأيديولوجية سياسية وقوانين مجتمعية تتعارض وتتصادم مع القيم والآداب الغربية.
إن المتابع للبرامج المتعلقة بالإسلام – محل الدراسة – يرى بوضوح أن موضوع “الصراع” وربطه بالإسلام هو الغالب، وهذه الدراسة لا تتحدث عن كيفية معالجة موضوعات الإسلام في هذه البرامج، وإنما يوضح كيف يظهر الإسلام في إطار موضوعي، يسهم بوضوح في رسم صورة الإسلام في أذهان المشاهدين.
وخلصت الدراسة إلى بعض النتائج والتوصيات منها:
1- الإسلام يحتل مكانًا على الأجندة الإعلامية, خطورة الأسلمة المصطنعة للصورة الإعلامية.
من خلال البحث في الموضوعات، التي أثيرت في البرامج الحوارية، والمجلات الإذاعية بقناتي “ZDF” و “ARD” خلصنا إلى أن الإسلام جزء جوهري، من الأجندة الإعلامية، وأن الإسلام يثير الاهتمام أكثر من أي دين آخر إلى الحد الذي ينبغي فيه أن يتم التحذير من الأسلمة المبالغ فيها بالأجندة الإعلامية.
وعلى الصحفيين والإعلاميين بذل المزيد من الجهد حين إعداد برامجهم حول موضوعات متعلقة بالإسلام، وأن يتفهموا الخلفيات التاريخية للإسلام بدلاً من إلصاق التهم بالإسلام من غير فهم أو إدراك.
2- ضرورة توسيع وتعميق النظرة للإسلام:
إن المشكلة ليست في طرح هذه البرامج الحوارية والوثائقية للعنف والصراعات الاجتماعية والطائفية في العالم الإسلامي، وإنما المشكلة تكمن في التركيز على هذه الموضوعات فقط، وهو أمر لا يحدث عند تناول أية ديانة أخرى في الإعلام الألماني.
3- تركيز الإعلام الألماني على ربط الإسلام بالعنف:
هذا التركيز الواضح من خلال الإحصائيات التي ذكرناها ساهم بشكل أو بآخر في مزيد من سوء الفهم بين المجتمع الغربي والمسلمين.